كان القباليون يرون أن المعرفة,
كلها (الغنوص أو العرفان), توجد في أسفار موسى الخمسة, ولكنهم كانوا يرفضون تفسير الفلاسفة
المجازي, وكانوا لا يأخذون في الوقت نفسه بالتفسير الحرفي. فقد كانوا ينطلقون من مفهوم
غنوصي يفضي إلى معرفة غنوصيّة, أي باطنيّة, بأسرار الكون وبنصوص "العهد القديم"
وبالمعنى الباطني للتوراة الشفوية.
والتوراة – حسب هذا التصور
– هى مخطط الإله للخلق كله, وتجب دراستها. لكن كل كلمة فيها تمثل رمزًا, وكل علامة
أو نقطة فيها تحوي سرًا داخليًا, وبذلك تصبح النظرة الباطنية هى الوسيلة الوحيدة لفهم
أسرارها.
وجاء أنه, قبل الخلق, كُتبت
التوراة بنار سوداء على نار بيضاء, وأن النص الحقيقي هو المدون بالنار البيضاء, وهو
ما يعني أن التوراة الحقيقية مختفية على الصفحات البيضاء لا تدركها عيون البشر.
ويقول القباليون أن الأبجدية
العبرية لها قداسة خاصة, ولها دور في عملية الخلق, وتنطوي على قوى غريبة قوية ومعان
خفيّة, وبالذات الحروف الأربعة التي تكوِّن اسم الرب (يهوه) (تتراجماتون), فلكل حرف
أو نقطة أو شرطة قيمة عددية. ومن هذا المنطلق فإن الحروف تنقسم بشكل عام إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى الهمزة
(رمز الهواء).
المجموعة الثانية الميم
(رمز الماء).
المجموعة الثالثة الشين
(رمز النار).
وبإمكان الإنسان الخبير
بأسرار القبالاه أن يفصل الحروف, ويجمع معادلها الرقمي ليستخلص معناها الحقيقي, كما
كان من الممكن جمع الحروف الأولى في العبارات, وان يُقرأ عكسًا لا طردصا ليصل المرء
إلى معناها الباطني. كما كانت هناك أيضصا طريقة الجماتريا.
وبذلك تصبح كلمات التوراة
مجرد علامات, أو دوال تشير إلى قوى ومدلولات كونية وبنى خفيّة يستكشفها مفسرو النص
الذي يخترق الرداء اللفظي ليصل إلى النور الإلهي الكامن. ومن خلال هذا المنهج التفسيري
تمكن القباليون من فرض رؤاهم الخاصة على النصوص الدينية وإشاعتها, الأمر الذي فتح الباب
على مصراعية لكل الآراء الحلولية المتطرفة.
أصبحت القبالاه في نهاية
الأمر دربًا من الصوفية الحلولية (أي تسعى إلى إحلال الله في كل شيء) ترمي إلى محاولة
معرفة الإله بهدف التأثير في الذات العليّة حتى تنفذ رغبات القباليين حتى يتسنى لصاحب
هذه المعرفة السيطرة على العالم والتحكم فيه.
وترتبط القبالاه في ناحيتها
العلمية بعدد من العلوم السحرية؛ مثل : التنجيم, والسيمياء, والفراسة, وقراءة الكفّ,
وعمل التمائم, وتحضير الأرواح.
(موسوعة اليهود واليهودية,
الدكتور عبد الوهاب المسيري عليه رحمة الله تعالى, طبعة 1999, الجزء الخامس)
فالقباللاه/او الكبالا إذن
هى رموز غامضة وباطنية عن طبيعة الله والكون، وهي معقدة, ولم يسمح, على مدى قرون طويلة,
لغير بعض اليهود المتدينين ممن تجاوزوا سن الأربعين، وقد كرّسوا حياتهم في الدين اليهودي
يسمح لهم بدراستها فقط.
أوصل اليهود, الحريصون على
بث الرعب في نفوس العالم, القبالاه إلى مشاهير العالم في هوليوود والوسط الأمريكي عن
طريق أسرة آل بيرج/غ، وهي عائلة يهودية أنشأت مركزًا للقبالاه.
ويتبنى آل بيرج فكرة أن
القبالاه ليست للعلماء اليهود فقط بل يمكن لأي شخص اعتناق أفكارها، وهذا يشمل النساء
وغير اليهود. واستعانوا بالمغنية الأمريكية الشهيرة مادونا لتدعو للترويج للفكر القبالي
في كل مكان، وتضع خيوطاً حمراء على معصمها ومعصم ابنها الصغير، وتتبرع لمركز القبالاه
بتبرعات سخية جداً بملايين الدولارات للتدليل على أنها مناصرة لهذا الفكر.
وترى "مادونا"
أن ما يميز القبالاه كونها خارجة عن التفكير المألوف، ومن الجيد أن يكون المرء متمرداً،
إن التمرد أمر جيد , وأنها ألفت العديد من قصص الأطفال بإلهام من القبالاه، وأدخلت
رموزها في احتفالاتها وأغنياتها المصورة .
جدير بالذكر أن الدليل على
انخراط أي شخص وانضمامه للفكر القبالي هو "السوار الأحمر" الذي لا يفارق
معصم أعضاء القبالاه.
والأمر الخطير الذي نودّ
التنويه عنه هو أن ظاهرة وضع سوار أحمر حول معصم اليد بدأت تغزو البلاد العربية خاصة
في منطقة الخليج العربي, ونحن واثقون أن المسألة مجرد تقليد ممثل أو مغنية أو غير ذلك
ممّن يوجهون أفكار الشباب خاصة دون وعي منهم وفي غياب تام لإعلام يناقش تلك المسائل
وخطورتها.
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية/جامعة
الأزهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق