تختلف حدة الفروق بين طائفتي
يهود اليمن, فاختلف يهود عدن عن يهود اليمن خاصة بعد سقوط عدن تحت الاحتلال البريطاني
1839. ويرجع السبب في ذلك إلى عوامل عدة أبرزها: اللغة, والنشاط الاقتصادي, وشكل الثياب,
وطرق المعيشة, وطريقة نطق اللغة العربية,وطريقة أداء الصلوات اليهودية, وتطبيقات الشريعة.
فبينما كان يهود اليمن وعدن يتحدثون اللغة العربية فإن لهجة يهود عدن كانت مليئة بالألفاظ
الإنجليزية والهندية. ذلك لأن يهود عدن كانوا أكثر اختلاطًا بالإنجليز والهنود الذين
أقاموا في عدن.
ويرجع هذا التقسيم أيضًا إلى وجود طائفة مركزية كانت هى الأكبر وهى
مقر القيادة الإقليمية لليهود سواء فيما يتصل بالحياة الداخلية, أي تلك الأمور المتصلة
بالمحكمة الكبرى او حكماء التوراة, أو فيما يتصل بالعلاقات مع السلطات, وكانت بطبيعة
الأمور تقيم في العاصمة؛ صنعاء.
جدير بالذكر أن طائفة يهود
عدن نشأت في عام 1839م من هجرة يهودية من اليمن ذاتها, وليس من الخارج. وتميزت هجرة
يهود عدن إليها لانتشار الاسلام السنّي بها بينما يهود اليمن التي انتشر فيها الاسلام
الشيعي, ويمكن القول بشكل عام أن أهل السنة من المسلمين كانوا أكثر تسامحًا من الشيعة
تجاه اليهود.
وتمكن ملاحظة ان السلطة
كلما كانت مركزية وأجنبية كان وضع اليهود مريحًا أكثر؛ ففي اليمن وحيث ضعفت هناك السلطة
المركزية في صنعاء, وسيطر عليها زعماء القبائل القوية – حاشد ونجيل – كان اليهود ينعمون
بوضع مريح لأن العلاقات بين المسلمين واليهود هناك كانت تقوم على التقاليد القبلية
لأهل البلاد ولم تكن قائمة على الشريعة الإسلامية.
ومن ذلك نعرف أن اليهود
بشكل عام كانوا يعيشون بأعداد ضخمة في البلدان التي كانت السلطة تنجح فيها في الإمساك
بزمام الأمور.
على الرغم من أن الطوائف
اليهودية التي كانت تعيش في العراق وإيران وأفغانستان وغيرها نالت نصيبها من التطور
والحداثة بدءًا من عشرينات القرن الماضي, من توصيل المياه وشبكات صرف صحي, ومواصلات,
حديثة, ومستشفيات, وغير ذلك إلا أن الطوائف التي عاشت في اليمن وكردستان وفي المدن
الإيرانية الواقعة خارج طهران لم يطرا أي تغيير تقريبًا على نظم حياتها التقليدية.
ففي صنعاء أنشيء أثناء الحكم التركي لليمن مستشفى واحد فقط, واستفاد اليهود وغيرهم
أيضًا من الخدمات الصحية التي كان يقدمها الجيش التركي ثم ألغيت كل تلك الخدمات بعد
انتقال السلطة إلى أيدي الإمام يحى, وكان الوضع الصحي في القرى اليمنية متدهورًا للغاية,
وكانت الأمراض والأوبئة منتشرة في اليمن وراح ضحيتها أهداد كبيرة من اليهود وغير اليهود.
جدير بالذكر أن هناك عوامل أخرى أسهمت بدورها في تدهور أوضاع اليهود فقد انتشرت المجاعات
بسبب مواسم الجفاف الطويلة التي واجهتها اليمن كما ادى عدم اهتمام السلطات باستيراد
الحبوب بشكل منتظم من الخارج هلاوة على عدم اشتغال اليهود بالزراعة إلى إلحاق أضرارصا
بالغة باليهود خاصة أثناء الفترات التي كانت تتفشى فيها المجاعات.
كما شهدت اليمن خلال الفترة
الواقعة بين 1903 – 1905 حالة من القلاقل والاضطرابات وازدادت الأوضاع سوءًا بعد أن
فرضت قوات الإمام "يحى" حصارًا صارمًا على صنعاء التي كان الأتراك متمركزين
بها . ويفيد أحد المصادر انه لم يتبق سوى 600 يهودي من بين الـ 30 ألف يهودي الذين
كانوا يقيمون بها من قبل. ويقدر مصدر آخر أعداد اليهود الذين ماتوا بأكثر من خمسة آلاف
يهودي.
هاجر يهود كثر بعد ذلك لأسباب
اقتصادية أو اجتماعية, إما إلى الهند أو إلى مصر, وبالنسبة إلى هؤلاء الذي هاجروا إلى
مصر أقاموا في مدن ساحلية كبورسعيد, والسويس, والإسكندرية.
وعلى الرغم من اضطرار أعداد
كبيرة من اليهود لتغيير ديانتهم تحت أسباب مختلفة في مناطق كإيران التي شهدت تحول أعداد
مختلف في تقديرها بين عشرات الآلاف والمئات, من اليهودية إلى الإسلام أو إلى البهائية.
تقر مجموعة من الباحثين المحدثين كـ صموئيل أتينجر, وميخال أفيطبول, وشالوم بار أشير,
وغيرهم إلى عدم وجود أدلة قاطعة في هذا الشأن ليس فيما يتعلق بالتحول ذاته ولكن فيما
يتعلق بأعداد الذين تحولوا. قلنا على الرغم من ذلك فإن ظاهرة التحول لم تطرح على بساط
البحث بالنسبة ليهود اليمن بشقيهم لأنها لم تكن موجودة.
ارتفع تعداد يهود عدن بشكل
ملموس نتيجة الهجرة إليها, وخير شاهد على هذا هو أنه بينما قدر عددهم في عام 1839م
بـ 250 يهوديًا فإن تعدادهم قدر في عام 1946م بـ 7300 يهودي.
هذا وتذكر المصادر العبرية
أن يهود اليمن يعانون في الآونة الأخيرة بعد ابتعاد على عبد الله صالح عن السلطة من
الاضطهاد والتهديد المستمر من قبل عناصر إسلامية, أغلب الظن أن المقصود بها جماعات
الحوثيين المتطرفين – على حدّ تعبير المصدر.
تذكر المصادر أن الحاخام
اليمني "يحى يوسف موسى" الذي ظهر حاملا صورة للرئيس السابق على عبد الله
صالح: هذه هى صورة الأب الحنون على جميع أبناء الشعب اليمني صاحب القلب والتسامح".
ونذكر هنا تقريرًا نقلا
عن صحيفة "اليمن الجديد" نشر يوم الثلاثاء الموافق 14/2/2013
"كان اليهود خلال حكم
صالح يحصلون على مساعدات مالية من الحكومة تبلغ خمسة آلاف ريال لكل فرد ويتلقون معونات
غذائية مثل السكر والقمح والطحين. لكن المعونات الغذائية توقفت منذ نحو خمسة أشهر مع
تصاعد الاحتجاجات ويخشى اليهود أن تتوقف كل المساعدات الحكومية. وقال يهودي آخر في
صنعاء يدعى سليمان يحيى حبيب "جميع ما شقينا 'حصلنا عليه بكدنا' من يوم ما خلقنا
شالوه 'نهبوه' وجئنا بين هؤلاء. هذا يقول غدوة وهذا يقول بعده. اليوم لنا من الغذاء
خمسة أشهر. أقلدكم الله في أي دولة هذا وفي حكم من. ذهبنا من الجوع".
ويبلغ عدد اليهود في العاصمة
زهاء 60 شخصا بينما يصل عدد اليهود في اليمن الى 450 شخصا معظمهم في مدينة ريدة بمحافظة
عمران شمالي صنعاء.
ولا يميز اليهود عن بقية
اليمنيين في الملبس سوى غطاء الرأس اليهودي التقليدي وجدائل الشعر التي تتدلى من رؤوس
الرجال.
ويطالب اليهود حكومة الوفاق
الوطني بإعادة النظر في وقف المساعدات واستئناف صرفها وتحسين أوضاعهم.
وقال الحاخام موسى
"ضروري أن الدولة تعوضنا بدل بيوتنا التي نهبت لأننا من أصل اليمن.. الأصيليين
ما احنا 'لسنا' مستوردين ولا مصتنعين. هذه حقوقنا.. حق كفله الدستور والقانون لك..
كفله الدستور والقانون لي".
وكان عدد اليهود في اليمن
يبلغ 40 ألف شخص في عام 1949 قبل أن تنظم إسرائيل عمليات نقل جماعية لهم إلى الدولة
التي أعلن قيامها قبل عام من ذلك الوقت. ويقول اليهود الباقون في اليمن إنهم كانوا
يعيشون في سلام بين مواطنيهم المسلمين حتى قبل بضعة أعوام".
(يتبع)
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية/كلية
اللغات والترجمة/جامعة الأزهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق