نَعِم يهود بابل, في القرن
السابع الميلادي, مع الاحتلال العربي – على حدّ تعبير المصدر العبري - بحريّة العقيدة
وما ترتب عليها من مميزات في الحياة العامة والخاصة, وكل صور النشاط الاجتماعي. وكان
لذلك أكبر الأثر في استعادة نشاط المدارس الدينية, كمدرسة "سورا" و"وفومبيديثا"
من جديد, وعلى رأسهم العلماء الذين عرفوا بالجاءونيم (جاءون بالعبرية تعني عالم بأحكام
الدين, ثم استعملت بمعنى "عبقري"), تلك المدارس التي لعبت دورًا بارزًا في
استقطاب دارسين يهود من أنحاء الشتات.
وتذكر المصادر أن انتشار
الإسلام سهل تواصل اليهود بسب خضوعهم لسلطان واحد. وبفضل "عنان بن دفيد"
الملقب بالرئيس ظهرت اليهودية القرائية (طائفة يهودية تأثرت بالفكر المعتزلي), في القرن
الثامن الميلادي ببغداد.
مرت فترات كانت رئاسة الطائفة
اليهودية تتم بالتبادل بين "رأس الجالوت", الذي كان يمثل السلطة الحاكمة/السياسية,
وبين "الجاءون", الذي كان يمثل السلطة الدينية. ولذلك كان هناك من يزعم أن
الخلاف الذي نشب في القرن الثامن الميلادي تسبب في إحداث صدع ديني.
كان موقف اليهود وحالتهم
مرتبطًا بعلاقتهم بالسلطة الحاكمة. وكان الجو الغالب هو الأمان والاستقرار والتمتع
بالحريات, لكن ذلك لم يمنع من فرض أحكام جائرة كما فعل الخليفة عمر الثاني – على حدّ
تعبير المصدر العبري - في بداية القرن الثامن كإجبارهم على ارتداء الزي العربي, أو
التضييق عليهم في ممارسة طقوس الدين. أو فرض أحكام الخليفة المتوكل في القرن التاسع
الذي أجبرهم على تقلد علامة تميزهم.
وفي حوالي القرن الحادي
عشر الميلادي في السنة التي توفي فيها الراب "هاي جاءون" ذكر ربي بنيامين
مطودولا أنه وجد أثناء رحلته إلى بابل في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي حوالي
40 ألف يهودي.
ومع سقوط الخلافة في بغداد
وتدهور الأحوال الاقتصادية ليهود بابل وأحكام السلطات هناك غادر يهود كثر إلى البلاد
التي دخلها المسلمون في أنحاء أخرى من العالم, وخاصة إسبانيا. كل تلك العوامل تسببت
في نهاية مؤسسة الجاءونية, وتراجع دور يهود بابل الذين لعبوا دورًا حاسمًا في الحياة
الدينية لليهود عامة.
(يتبع)
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية/كلية
اللغات والترجمة/جامعة الأزهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق