الخميس، 21 أبريل 2016

اليهود وحتميّة الشتات والعذاب היהודים והכרחות הגולה והענוי


تنويه : أرجو أن يتسع صدركم لقراءة هذه الخلفية الضرورية للإجابة عن السؤال المهم :
لمن فلسطين؟ وأنا لا أدعي أني أقدم إجابة حاسمة لهذا التساؤل لكن ما سأذكره هو اجتهاد مدعم بالأدلة والبراهين, وهو استنتاج علمي مبني على الاستقراء...
كان رضى الله على بني إسرائيل منذ أن عصوه بصناعة العجل في سيناء وعبادته مرهونًا بمدي طاعتهم لأوامره والسير على منهاجه الذي شرعه لهم. وكان الاستقرار في الأرض التي وعد الله آبائهم (إبراهيم, وإسحاق, ويعقوب) مرهونًا كذلك بطاعتهم أياه وعدم مخالفة أوامره ووصاياه وبعدهم عن الشرك بالله وعبادة الأوثان, واقتراف الآثام.

 وسوف نذكر بعض الأمثلة من التوراة لعصيان بني إسرائيل:
•        تذمَّر بنو إسرائيل على موسى وهرون، في صحراء سيناء, وقالوا لهما:
"ليت الرب أماتنا في أرض مصر، فهناك كُنا نجلس حول قدور اللحم نأْكل حتى الشّبع. وها أنتما قد أخرجتمانا إلى هذه الصحراء لتميتا كل هذه الجماعة جوعًا". خروج 16 : 2-3
فلما سمع الرب تذمرهم قال لموسى:
"سمعت تذمّر بني إسرائيل، فقل لهم : في المساء تأكلون لحمًا، وفي الصباح تشبعون خبزًا، فتعلمون أنني أنا الرب إلهكم" الخروج: 16 : 12

•        وتذمروا وكادوا يرجموا موسى, عليه السلام, وقالوا له:
"لماذا أخرجتنا من مصر لتميتنا وأولادنا ومواشينا عطشًا؟
فصرخ موسى إلى الرب: ماذا أصنع بهذا الشعب؟ إنهم يكادون يرجمونني!؟. الخروج : 17 : 4

•        ولما طالت إقامة موسى على الجبل، اجتمعوا حول هرون، وقالوا له:
"هيا، اصنع لنا إلهًا يتقدّمنا في مسيرنا، لأننا لا ندري ماذا أصاب هذا الرجل موسى الذي أخرجنا من ديار مصر. فلما صنع هارون عجلا. حينئذ قالوا: هذه آلهتك ياإسرائيل التي أخرجتك من ديار مصر".
فعلم الرب بما فعل بنو إسرائيل وأمر موسى, قائلا:
"قم وانزل فإن الشعب الذي قَد أخرجته من ديار مصر، قد فسد. إذ انحرفوا سريعًا عن الطّريق الذي أمرتهم به، فصاغوا لهم عجلا وعبدوه وذبحوا له الذّبائح هاتفين: هذا هو إلهك ياإسرائيل الذي أخرجك من ديار مصر».
وقال الرب لموسى:
"لقد تأمّلت في هذا الشعب، وإذا به شعب عنيد مُتصلّب القلب. والآن دعني وغضبي المحتدم فأَفنيهم، ثم أَجعلك أنت شعبًا عظيمًا".
وعلى الرغم من ذلك ابتهل موسى إلى الرب ... فتراءف الرب ولم يوقع بشعبه العقاب الذي توعّد به خروج 32 : 7 – 14

•        وعن غضب موسى وتكسِّيره الألواح جاء:
"وما إن اقترب موسى من المُخيم وشاهد العجل والرقص حتى احتدم غضبه وألقى باللوحين من يده وكسرهما عند سفح الجبل. ثم أخذ العجل الذهبي وأحرَقَه بالنار وطحنه حتى صار ناعمًا، وذَرَّاه على وجه الماء وأرغمهم على الشرب منه".

ويمكننا ذكر نماذج عدة من معاصي بني إسرائيل عبر الزمان؛ منذ زمن موسى عليه السلام (1300 ق.م) وحتى يوئيل آخر آنبياء بني إسرائيل (450 ق.م), لكن ما يعنينا من ذلك هو أنهم دأبوا على ارتكاب المعاصي واقتراف الآثام ومخالفة أوامر الرب بإصرار وهو ما يفهم من العبارة التي جاءت على لسان الرب نفسه :
"لقد تأمّلت في هذا الشعب، وإذا به شعب عنيد متصلّب القلب". خروج 32 : 9
والغريب في هذه الآية تضمنها إيحاء بأن الرب لم يكن يعلم صفات شعبه!, وهو ما يفهم من كلمة "تأملت"!!

•        وجاء في سفر أشعيا كلام الرب عن تمرّد الإسرائيليين ووصفه لهم بأنهم أضلّ من الثيران والحمير:
الرب يتكلم: "ربيت أبناء وأنشأْتهم ولكنهم تمرّدوا علي. الثّور يعرف قانيه، والحمارُ معلف صاحبه، أما إسرائيل فلا يعرف، وشعبي لا يدرك. ويل للأُمة الخاطئة، الشعب المثقل بالإثم، ذرية مرتكبي الشر، أبناء الفساد. لقد تركوا الرب واستهانوا بقُدوس إسرائيل وداروا على أعقابهم. على أي موضع أضربكم بعد؟ لماذا تواظبون على التمرد؟ إن الرأس بجملته سقيم والقلب بكامله مريض" أشعيا 1 : 2 – 5.

العقاب:
كان العقاب الذي قرره الخالق سبحانه وتعالى في حقهم جراء المعصية ومخالفة الأوامر والعتو والتجبر, هو ما قرره الرب في الآيات التالية:

"لأن أحكامي رفضوها وفرائضي لم يسلكوا فيها ..من أجل أنكم لم تسلكوا في فرائضي ولم تعملوا حسب أحكامي ..من أجل أنك (الضمير يعود على جماعة بني إسرائيل) نجست مقدسي بكل مكرهاتك, وبكل أرجاسك فأنا أيضًا أجزّ ولا تشفق عيني وأنا أيضًا لا أعفو, ثلث يموت بالوباء, وبالجوع يفنون, وثلث يسقط بالسيف, وثلث أذريه في كل ريح وأستل سيفًا وراءهم" حزقيال 5 : 6-12.

وما يهمنا في هذه الآيات هو الجزء الأخير فيها الذي هو نوع العقاب وطبيعته, نقرأه معًا ثانية:
"ثلث يموت بالوباء وبالجوع يفنون, وثلث يسقط بالسيف, وثلث أذريه في كل ريح وأستل سيفًا وراءهم".

فالناظر إلى هذه الآية يدرك بلا عناء أن ما تبقى من الإسرائيليين وهم الثلث الأخير فيها هم "وثلث أذريه في كل ريح وأستل سيفًا وراءهم".
ومعنى أذرّيه في كل ريح هو شتاتهم في أنحاء الأرض, وكلمة "كل ريح" في النصوص القديمة تعني في جميع اتجاهات الأرض؛ الشمال والجنوب والشرق والغرب.

نفهم من آية التوراة إذن أن الله حكم عليهم جزاء لعصيانهم ومخالفتهم أوامره ونواهيه, وارتدادهم لعبادة الأوثان, واقتراف الآثام, حكم عليهم بثلاثة قضاءات:

الأول : موت تلثيهم, ثلث بالوباء والجوع, وثلث يقضى بحد السيف.
الثاني : تذرية الثلث المتبقي منهم وتشتيتهم في أنحاء الأرض.
الثالث : استلال سيف وراء هذا الثلث الأخير, الذي كتب عليه الشتات, وهذا هو التعبير الذي استخدمه الرب للإشارة إلى المذابح التي تعرض لها اليهود عبر الزمان في منفاهم.

نزل حكم الله هذا فيهم على لسان النبي "حزقيال", وكان ذلك في حدود القرن السادس ق.م, وهو القرن الذي بدأ فيه تنفيذ العقاب على يد الاستيلاء على يهودا والقدس على يد البابليين, ووقوع السبي, وبعد ذلك احتلال فلسطين على يد اليونانيين, ثم الرومان. إلى أن حدث لهم الشتات المذكور حين طردهم الحاكم الروماني "هادريان" من القدس ومن جميع أنحاء فلسطين عام 136م, فكان هذا هو الشتات الأكبر.

تصديق القرآن الكريم:
ورد تصديق القرآن الكريم للفقرة التوراتية: "وثلث أذريه في كل ريح" في الآيات السابقة, وهو الثلث المتبقي بعد الإفناء بالوباء والجوع والسيف, وهو المقصود بالشتات وتفريقهم في أنحاء الأرض, وهو قول الله تعالى:
(وقطعناهم في الأرض أممًا منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون). سورة الأعراف/الآية 168.

وعن استمرار غضب الله عليهم على طول الزمان, وإرسال الله أو تسليطه من يعذبهم إلى يوم القيامة وتصديقًا لآية التوراة : "أستل سيفًا وراءهم" وكذلك : "لأنكم قد أضرمتم نارًا بغضبي تتقد إلى الأبد" إرميا 17 : 4

وهذا هو ما يصدقه قول ربنا جلّ وعلا في قرآنه الكريم :
"وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور". سورة الأعراف./ الآية 167,

وذلك بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه واحتيالهم على المحارم .
ومع ذلك يستمر اختبار بني إسرائيل عبر الزمان, والفرصة متاحة أمامهم للتوبة والعودة إلى الطريق المستقيم وهو ما يفهم من عبارة الآية الكريمة:
(وقطعناهم .. وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون). سورة الأعراف/الآية 168.
إذن مادام الله كتب عليهم الجزاء بالشتات وعدم المكوث في الأرض التي بحسب نص التوراة كان وعدًا لآبائهم (إبراهيم, وإسحاق, ويعقوب عليهم جميعًا السلام) وليس لهم, فلا يحق لهؤلاء الصهاينة ادعاء ملكية أرض فلسطين, قبل أن يشاء الله وبحسب ما قرره هو سبحانه وتعالى وهو ما سنقدم النصوص الدالة عليه, من التوراة أيضًا, في المنشور القادم.
د. سامي الإمام

أستاذ الديانة اليهودية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق