أقول قبل الولوج في موضوع سيرة سليمان عليه السلام خاصة فيما يتصل بعلاقته بالجنّ إن مصادر المعلومات ستكون مختلطة بين مصادر عبرية ومصادر عربية في التفاسير التي يرجع سبب احتوائها على مضامين متشابهة وأحيانًا متطابقة يرجع إلى ما سمي بالإسرائيليات التي تسرّبت إلى المصادر الإسلامية. وإذا كان من المحتمل, بل هو مؤكد لدى بعض الناس, رفض بعض سيرته عليه السلام, لنزوعها إلى الفكر الأسطوري أو الغيبي, فإن ذلك سيكون مؤشرًا على رفض جميع أو جلّ الأفكار الغيبية التي تملأ مصادرنا الإسلامية, وأقصد بذلك ما ليس عليه دليل إعجازي موثّق من القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة!يَجمع سليمان, عليه السلام, بين النبوّة والملكيّة في القرآن الكريم, في حين هو في التوراة ملك وحسب. وكان له قصرًا منيفًا بجوار بيت المقدس يتابع منه شؤون مملكته بل وشؤون العالم كله حيث تقول بعض الأخبار إنه كان يملك في زمانه السلطة والحكم على العالم أجمع!
ورد في القرآن الكريم في سورة سبأ:
(فلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) آية 14
تخبرنا الله تعالى في الآية الكريمة أن دابة الأرض أكلت "منسأة" سليمان فاختلتَّ وانكسرت وأخلَّت بتوازن الجسد الذي كان متكأ عليها, قيل لمدّة سنة كاملة!, فسقط جسده على الأرض. وفي هذه اللحظة عرفت الجنّ أنه قد مات!
والمنسأة هى العصا وقرأها بالهمزة عامة قراء أهل المدينة وبعض أهل البصرة. ومنساته بغير همزة عند أهل البصرة وأصلها من نسأت بها الغنم. وورد أن الكلمة من الهمز الذي تركته العرب، كما تركوا همز النبي والبرية. ويُنشد لترك الهمز في ذلك بيتًا لبعض الشعراء:
إذا دَبَبْـتَ عـلى المِنسـاةِ مـن هَـرَمٍ *** فقــدْ تَبَـاعَد عنـكَ اللَّهـوُ والغَـزَلُ
والمعنى إذا بلغ الهِرم بالإنسان مبلغًا جعله يسير متكئًا على عصا عندئذ عليه ألا يفكر في لهو ولا غزل وهما ما يميِّز عمر الشباب.
كان سليمان (1000 ق.م) من أبناء الجيل الخامس عشر لإبراهيم عليه السلام (حوالي 2800 ق.م) , وهو ما يقابل ببعض الحسابات الرقميّة القبَّالية للاسم, اليوم ال 15 في الشهر حيث يكون القمر تام الاستدارة كوصف البدر, ولذلك يطلق الحكماء على حقبة مُلكِه (كالقمر في تمامه). وبالطريقة نفسها بدأت مملكته في الزوال أي كالقمر الذي لا ينبع الضوء منه, وتمامه هو بداية زواله! أي أن تمام الكمال الإنساني هو مؤشر التراجع والزوال.
ماذا كان الجن يصنعون لسليمان؟
يذكر كتاب العهد القديم أن عشرات الآلاف من الرجال أسهموا في بناء بيت المقدس (هى تسميَّة مشتركة بين العربية والعبرية بيت هّمِّقْدَاش), وظلوا يعملون لمدّة سبع سنين متواصلة. ويذكر كتاب أخبار الأيام أن معظم هؤلاء كانوا من الأغيار والغرباء والقاطنين في فلسطين من غير بني إسرائيل في ذلك الزمان. ويذكر رأيُ أن جميع هؤلاء الذين أسهموا في بناء هذا المقدس ماتوا جميعًا بمجرد انتهاءهم من البناء والتعليل هو خشية أن يقوموا بالإسهام في بناء مقدسات مشابهة في أماكن أخرى تكون منافسة لبيت المقدس وتُغري الناس بعبادات وثنية! كما حدث في قصة العجل الذهبي الذي استُنسخ فيما بعد في السامرة وعبده السامريون الذين قيل إنهم أحفاد السامري الذي صنع عجل الذهب في سيناء, أما أجر هؤلاء الذين نحتوا حجارة بيت المقدس وماتوا فسوف ينالونه من الله في العالم الآخر!
وعن إسهامات الجنّ في بناء بيت المقدس يخبر يوسيفوس فلافيوس, المؤرخ اليهودي الذي عاش في القرن الأول الميلادي, أن أعداد الجنّ والشياطين في عالمنا هى ثلاثة أضعاف أعداد الإنس, وأن مهمتهم شريرة للوسوسة وإزكاء الفتنة بين بني البشر! ولما كان لسليمان باعًا طويلا في معاملة الجنّ وإذلالهم فقد انتشرت فكرة استخدام ما يسمّى (خاتم سليمان)!, وغيره من التمائم التي جُعلت خصيصًا لطرد الأرواح الشريرة من أجسام البشر, والتي تتضمن اسمه في هذه الوسائل العلاجية أو الوقائية من هجوم الجنّ, أو للتخلّص منه. ويحكى أن إبليس والجنّ كانوا يجلبون الماء لحدائق سليمان وبساتينه من الهند, وأن كتيبة منهم كانت تشكل جزءًا من جيوشه! بخلاف الريح والبساط الطائر الذي سخّرهما الله له ليحملاه هو وجيوشه إلى حيث يريد.
وتذكرنا سيرة البساط بما جاء في (بدائع الزهور): قال السدِّي لم يقع لأحد من ملوك الأرض مثل ما وقع لسليمان في ذلك فكانت الريح مركبه, والبحار خزائنه, والجنّ خدمه, والملائكة حفظته, والطير مظلته, والوحوش حرسه, وآصف بن بركيَّاهو وزيره (راجع منشور آصف بن بركيَّاهو الذي قيل إنه هو الذي عنده علم من الكتاب), والاسم الأعظم مكتوب على خاتمه. وقيل إن سليمان تأمّل ذلك وأعجب بنفسه فمال البساط من تحته في قوّة سيره فهلك من جيشه نحو اثني عشر ألف إنسان في ساعة واحدة فلما رأى سليمان ذلك ضرب البساط بقضيب كان في يده وقال: اعتدل أيها البساط فأجاب البساط من تحته وقال: اعتدل أنت يا سليمان حتى أعتدِل أنا فعلم أن البساط مأمور فخر سليمان ساجدًا لله. يذكرنا هذا الموقف بموقف سليمان عليه السلام حين شغلته الجياد المجنّحة التي كان يملكها عن ذكر ربه في الآية الكريمة من سورة ص: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) سورة ص /الآيات 31 - 33. وجاء في حديث لعائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أن هذه الجياد كانت مجنّحة, أما معنى (فطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) - قَالَ بَعْض المفسرين : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَقَرَهَا وَضَرَبَ أَعْنَاقهَا, لأنها شغلته عن صلاته وعبادته. وقد أوضح فضيلة الشيخ متولي الشعراوي بأن هذا التفسير إنما يعود للإسرائيليات!
جاء في حديث (عن النبي صلى الله عليه وسلّم عن سليمان: فبينما هو يصلي ذاتَ يَومٍ إذ رأى شجرةً بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخروبة، قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت، فقال سليمان: اللهم عمِّ على الجن موتي؛ حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنَحَتَها عصا فتوكَّأ عليها حولا ميتًا، والجن تعمل، فأكلتها الأرضة، فسقط، فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين ". قال: وكان ابن عباس يقرؤها كذلك، قال: فشكرت الجن للأرضة فكانت تأتيها بالماء).
نفهم من هذا الحديث أن شجرة الخروبة كانت دلالة للجنّ ورسالة لهم على موت سليمان! ولذلك أخذها سليمان ونحتها عصًا يتوكأ عليها في محاولة منه لإخفاء رسالة كانت تحملها هذه الشجرة للجنّ لكن الأمر اتخذ منحى آخر وكان خبر موته محجوبًا عنهم مؤقتًا إلى أن أكملت دابة الأرض المهمة ولعبت دورها أو أكملت دور شجرة الخروبة في إبلاغ الجن بموت سليمان حين أكلت عقب العصا التي هى في الأساس شجرة الخروبة ! ولذلك نقرأ عبارة (فشكرت الجن للأرضة فكانت تأتيها بالماء)!
أما لماذا لم تتبين الإنس أن سليمان قد مات فهذا يرجع – في رأي مفسرون – أن سليمان اعتاد التزوّد بالطعام والشراب لما يكفيه أوقات طويلة, ويدخل لمحراب, يتعبّد, وفي قول : إنه أخبر بميعاد موته أو دنوّه, كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة, ومن ثم اعتزل مدّة في المحراب إلى أن وافته المنيّة.
تذكر مصادر يهودية أن سليمان كان أذكى إنسان على سطح الأرض وحتى كان أذكى من "آدم"!
فكان مستودعًا للتوراة والحكمة, وعلى الرغم من ذلك تقول التفاسير إنه اغتر وظنّ أن ليس هناك ما يمكنه الصمود في وجهه في العالم لذا كان ملكه مهيئًا للزوال منذ خطر على باله تلك الفكرة!
وربما لذلك وجدنا مخلوقات ضعيفة جدًا ومع ذلك كانت تعلم ما خفي على سليمان فهذا الهدهد الذي خاطبه في القرآن الكريم بعبارة "أحطت بما لم تحط به", وقصة النحلة التي أسدت إليه معروفًا في اختبار ملكة سبأ؛ حين عرضت عليه في أحد ألغازها مجموعة من الزهور الصناعية التي تتطابق مع زهرة طبيعية واحدة في تلك المجموعة التي صفّت على مسافة من سليمان وطُلب منه إخراج الزهرة الطبيعية من تلك المجموعة بمجرد النظر من بعيد. فجاءت نحلة كان سليمان أسدى إلبها معروفًا في يوم من الأيام السابقة بإطلاق سراحها ووعدته بأنها يومًا سترّد هذا المعروف, جاءت وأسرّت في أذن سليمان بأنها ستقف فوق الزهرة الطبيعية ليعرفها ثم تنصرف دون أن يلحظها أحد غيره بالطبع! وبذلك نجح سليمان في حلّ هذا اللغز.
وحكايات الملك سليمان مع المخلوقات كثيرة ومع الجنّ أيضًا كثيرة وتحتاج لمنشورات عدّة سنتابعها حينما يتوفر الوقت بإذن الله تعالى.
د. سامي الإمام
ورد في القرآن الكريم في سورة سبأ:
(فلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) آية 14
تخبرنا الله تعالى في الآية الكريمة أن دابة الأرض أكلت "منسأة" سليمان فاختلتَّ وانكسرت وأخلَّت بتوازن الجسد الذي كان متكأ عليها, قيل لمدّة سنة كاملة!, فسقط جسده على الأرض. وفي هذه اللحظة عرفت الجنّ أنه قد مات!
والمنسأة هى العصا وقرأها بالهمزة عامة قراء أهل المدينة وبعض أهل البصرة. ومنساته بغير همزة عند أهل البصرة وأصلها من نسأت بها الغنم. وورد أن الكلمة من الهمز الذي تركته العرب، كما تركوا همز النبي والبرية. ويُنشد لترك الهمز في ذلك بيتًا لبعض الشعراء:
إذا دَبَبْـتَ عـلى المِنسـاةِ مـن هَـرَمٍ *** فقــدْ تَبَـاعَد عنـكَ اللَّهـوُ والغَـزَلُ
والمعنى إذا بلغ الهِرم بالإنسان مبلغًا جعله يسير متكئًا على عصا عندئذ عليه ألا يفكر في لهو ولا غزل وهما ما يميِّز عمر الشباب.
كان سليمان (1000 ق.م) من أبناء الجيل الخامس عشر لإبراهيم عليه السلام (حوالي 2800 ق.م) , وهو ما يقابل ببعض الحسابات الرقميّة القبَّالية للاسم, اليوم ال 15 في الشهر حيث يكون القمر تام الاستدارة كوصف البدر, ولذلك يطلق الحكماء على حقبة مُلكِه (كالقمر في تمامه). وبالطريقة نفسها بدأت مملكته في الزوال أي كالقمر الذي لا ينبع الضوء منه, وتمامه هو بداية زواله! أي أن تمام الكمال الإنساني هو مؤشر التراجع والزوال.
ماذا كان الجن يصنعون لسليمان؟
يذكر كتاب العهد القديم أن عشرات الآلاف من الرجال أسهموا في بناء بيت المقدس (هى تسميَّة مشتركة بين العربية والعبرية بيت هّمِّقْدَاش), وظلوا يعملون لمدّة سبع سنين متواصلة. ويذكر كتاب أخبار الأيام أن معظم هؤلاء كانوا من الأغيار والغرباء والقاطنين في فلسطين من غير بني إسرائيل في ذلك الزمان. ويذكر رأيُ أن جميع هؤلاء الذين أسهموا في بناء هذا المقدس ماتوا جميعًا بمجرد انتهاءهم من البناء والتعليل هو خشية أن يقوموا بالإسهام في بناء مقدسات مشابهة في أماكن أخرى تكون منافسة لبيت المقدس وتُغري الناس بعبادات وثنية! كما حدث في قصة العجل الذهبي الذي استُنسخ فيما بعد في السامرة وعبده السامريون الذين قيل إنهم أحفاد السامري الذي صنع عجل الذهب في سيناء, أما أجر هؤلاء الذين نحتوا حجارة بيت المقدس وماتوا فسوف ينالونه من الله في العالم الآخر!
وعن إسهامات الجنّ في بناء بيت المقدس يخبر يوسيفوس فلافيوس, المؤرخ اليهودي الذي عاش في القرن الأول الميلادي, أن أعداد الجنّ والشياطين في عالمنا هى ثلاثة أضعاف أعداد الإنس, وأن مهمتهم شريرة للوسوسة وإزكاء الفتنة بين بني البشر! ولما كان لسليمان باعًا طويلا في معاملة الجنّ وإذلالهم فقد انتشرت فكرة استخدام ما يسمّى (خاتم سليمان)!, وغيره من التمائم التي جُعلت خصيصًا لطرد الأرواح الشريرة من أجسام البشر, والتي تتضمن اسمه في هذه الوسائل العلاجية أو الوقائية من هجوم الجنّ, أو للتخلّص منه. ويحكى أن إبليس والجنّ كانوا يجلبون الماء لحدائق سليمان وبساتينه من الهند, وأن كتيبة منهم كانت تشكل جزءًا من جيوشه! بخلاف الريح والبساط الطائر الذي سخّرهما الله له ليحملاه هو وجيوشه إلى حيث يريد.
وتذكرنا سيرة البساط بما جاء في (بدائع الزهور): قال السدِّي لم يقع لأحد من ملوك الأرض مثل ما وقع لسليمان في ذلك فكانت الريح مركبه, والبحار خزائنه, والجنّ خدمه, والملائكة حفظته, والطير مظلته, والوحوش حرسه, وآصف بن بركيَّاهو وزيره (راجع منشور آصف بن بركيَّاهو الذي قيل إنه هو الذي عنده علم من الكتاب), والاسم الأعظم مكتوب على خاتمه. وقيل إن سليمان تأمّل ذلك وأعجب بنفسه فمال البساط من تحته في قوّة سيره فهلك من جيشه نحو اثني عشر ألف إنسان في ساعة واحدة فلما رأى سليمان ذلك ضرب البساط بقضيب كان في يده وقال: اعتدل أيها البساط فأجاب البساط من تحته وقال: اعتدل أنت يا سليمان حتى أعتدِل أنا فعلم أن البساط مأمور فخر سليمان ساجدًا لله. يذكرنا هذا الموقف بموقف سليمان عليه السلام حين شغلته الجياد المجنّحة التي كان يملكها عن ذكر ربه في الآية الكريمة من سورة ص: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) سورة ص /الآيات 31 - 33. وجاء في حديث لعائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أن هذه الجياد كانت مجنّحة, أما معنى (فطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) - قَالَ بَعْض المفسرين : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَقَرَهَا وَضَرَبَ أَعْنَاقهَا, لأنها شغلته عن صلاته وعبادته. وقد أوضح فضيلة الشيخ متولي الشعراوي بأن هذا التفسير إنما يعود للإسرائيليات!
جاء في حديث (عن النبي صلى الله عليه وسلّم عن سليمان: فبينما هو يصلي ذاتَ يَومٍ إذ رأى شجرةً بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخروبة، قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت، فقال سليمان: اللهم عمِّ على الجن موتي؛ حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنَحَتَها عصا فتوكَّأ عليها حولا ميتًا، والجن تعمل، فأكلتها الأرضة، فسقط، فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين ". قال: وكان ابن عباس يقرؤها كذلك، قال: فشكرت الجن للأرضة فكانت تأتيها بالماء).
نفهم من هذا الحديث أن شجرة الخروبة كانت دلالة للجنّ ورسالة لهم على موت سليمان! ولذلك أخذها سليمان ونحتها عصًا يتوكأ عليها في محاولة منه لإخفاء رسالة كانت تحملها هذه الشجرة للجنّ لكن الأمر اتخذ منحى آخر وكان خبر موته محجوبًا عنهم مؤقتًا إلى أن أكملت دابة الأرض المهمة ولعبت دورها أو أكملت دور شجرة الخروبة في إبلاغ الجن بموت سليمان حين أكلت عقب العصا التي هى في الأساس شجرة الخروبة ! ولذلك نقرأ عبارة (فشكرت الجن للأرضة فكانت تأتيها بالماء)!
أما لماذا لم تتبين الإنس أن سليمان قد مات فهذا يرجع – في رأي مفسرون – أن سليمان اعتاد التزوّد بالطعام والشراب لما يكفيه أوقات طويلة, ويدخل لمحراب, يتعبّد, وفي قول : إنه أخبر بميعاد موته أو دنوّه, كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة, ومن ثم اعتزل مدّة في المحراب إلى أن وافته المنيّة.
تذكر مصادر يهودية أن سليمان كان أذكى إنسان على سطح الأرض وحتى كان أذكى من "آدم"!
فكان مستودعًا للتوراة والحكمة, وعلى الرغم من ذلك تقول التفاسير إنه اغتر وظنّ أن ليس هناك ما يمكنه الصمود في وجهه في العالم لذا كان ملكه مهيئًا للزوال منذ خطر على باله تلك الفكرة!
وربما لذلك وجدنا مخلوقات ضعيفة جدًا ومع ذلك كانت تعلم ما خفي على سليمان فهذا الهدهد الذي خاطبه في القرآن الكريم بعبارة "أحطت بما لم تحط به", وقصة النحلة التي أسدت إليه معروفًا في اختبار ملكة سبأ؛ حين عرضت عليه في أحد ألغازها مجموعة من الزهور الصناعية التي تتطابق مع زهرة طبيعية واحدة في تلك المجموعة التي صفّت على مسافة من سليمان وطُلب منه إخراج الزهرة الطبيعية من تلك المجموعة بمجرد النظر من بعيد. فجاءت نحلة كان سليمان أسدى إلبها معروفًا في يوم من الأيام السابقة بإطلاق سراحها ووعدته بأنها يومًا سترّد هذا المعروف, جاءت وأسرّت في أذن سليمان بأنها ستقف فوق الزهرة الطبيعية ليعرفها ثم تنصرف دون أن يلحظها أحد غيره بالطبع! وبذلك نجح سليمان في حلّ هذا اللغز.
وحكايات الملك سليمان مع المخلوقات كثيرة ومع الجنّ أيضًا كثيرة وتحتاج لمنشورات عدّة سنتابعها حينما يتوفر الوقت بإذن الله تعالى.
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق