الخميس، 19 يناير 2017

أبشالوم ينتقم لاغتصاب أخته على يد أخيهما (غير الشقيق)

ذكرت في المنشور السابق اغتصاب (أمنون ابن الملك داود) لأخته غير الشقيقة (تامار), وكيف رتب عمه (يوناداب) مكيدة للإيقاع بابنة أخيه فريسة للاغتصاب!(راجع منشور "إحدى صور قهر المرأة". أخفى أبشالوم حقده الرهيب على أخيه أمنون الذي ارتكب جريمة شنعاء, طيلة عامين. بعد عامين كان يجزّ غنمه في بلدة "بعل حاصور", وأقام وليمة كبيرة كما كان معتادًا احتفالا بتلك المناسبة, دعا إليها أخوته كلهم بمن فيهم أمنون, الذي عبّ من الخمر أكثر مما تعوّد في مثل تلك المناسبات وراح في ثمالة عميقة كانت فرصة لأبشالوم لأن ينفذ ما كان أضمره في نفسه ضده فأمر رجاله فقتلوه. كان أبشالوم قد رتب خطة الانتقام مع رجاله كما يتضح من نص سفر صموئيل: وأوصى أبشالوم رجاله: متى ذهبت الخمر بعقل أمنون وقلت لكم اضربوا أمنون واقتلوه، فلا تخافوا. ألَست أنا الّذي أمرتكم بذلك؟ تشجّعوا وتصرفوا كأبطال).
يقول فولتير تعليقًا على ذلك:
لا ريب في أن فعلة أمنون كانت شنيعة وخسيسة, وقد زادها دناءة طرده لأخته بعد أن اغتصبها وأذلّها وألحق بها عارًا. ولكن قتل الأخ لأخيه غدرًا بعد دعوته إلى وليمة, هو أمر ليس أقل إجرامًا.
جدير بالذكر أن الأب (داود) لم يكن يرغب في ذهاب ابنه القتيل (أمنون) إلى وليمة أبشالوم على الرغم من أنه تغيّظ بشدّة من فعلة ابنه مع ابنته. ولم يحضر هو تلك الوليمة على الرغم من إلحاح ابنه أبشالوم عليه.
ولما شاهد أبناء الملك عملية قتل أخيهم أمنون وامتطوا بغالهم وهربوا من المكان وفيما هم في الطّريق بلغ الخبر داود على نحو مختلف عن الحقيقة إذ قيل له: قتل أبشالوم جميع أبناء الملك ولم يسلم منهم أحد!. فقام الملك ومزق ثيابه وانطرح على الأرض، يحيط به جميع رجال حاشيتِه ممزّقي الثِّياب. ولكن يوناداب بن شمعي أَخي داود قَال: لا يظُن سيدي أَنهم قتلوا جميع أَبناء الملك. إنما أمنون وحده هو الذي مات، لأن أبشالوم قد أضمر له هذا الشر منذ أن اغتصب أُخته ثامار. فلا يخالج قلب الملك أن جميع أبنائه قد قتلوا، إنما أمْنون وحده هو الذي اُغتِيل.
حزن الملك داود على فقد ابنه أمنون حزنًا شديدًا, وبكاه طويلا, ولم يخف غضبه على أبشالوم, القاتل!
بلغ أبشالوم غضب أبيه من فعلته الغادرة, لذلك انطلق خارجًا من مملكة أبيه وهجرها إلى مملكة جدّه والد أمه (مَعْكَة زوج داود الرابعة), جشور وأقام هناك 3 سنوات. وفكر (يوآب) في حيلة كي يعيده إلى أبيه في أورشليم, لكن الأب داود لم يكن يرغب في رؤية وجه ابنه الذي قتل أخاه.
كان أبشالوم رجلا جميلا ومحبوبًا في أورشليم ولم يكن أحد مثله, وقد وصف جمال هيئته بأنه من باطن قدمه حتى هامته, ولم يكن فيه عيب, وكان حينما يحلق رأسه, مرة كل عام, كان شعر رأسه يزن مائتي شاقل بوزن الملك, وكان له ثلاثة بنين وبنت واحدة أسمها تامار, كانت رائعة الجمال.
أقام أبشالوم في أورشليم لمدة عامين لم ير فيهما وجه أبيه. أرسل إلى يوآب ليرسله إلى الملك فلم يشأ يوآب أن يأتي إليه ثم أرسل إليه ثانية فلم يشأ أن يأتي إليه. فاغتاظ أبشالوم من يوآب وقال لعبيده: انظروا حقل يوآب بجانب حقلي وله فيه شعير مزروع, اذهبوا وحرقوه بالنار. ففعل عبيده كما أمر.
جاء يوآب إلى بيت أبشالوم وسأله: لماذا حرَّق عبيدك حقلي بالنار؟
فقال أبشالوم: لقد أرسلت إليك قائلا: تعال إلى لأرسلك إلى الملك لتخبره لماذا جئت إلى هنا. خير لي لو بقيت هناك. فأنا الآن أريد أن أرى وجه الملك, وإن وجد فيّ أثمًا فليقتلني.
فأخبر يوآب الملك بمراد أبشالوم, فدعا الملك أبشالوم فأتى إليه وسجد على وجهه إلى الأرض أمام الملك, فقبَّل الملك أبشالوم.
ولنا أن نتعجّب من سلوك أبشالوم مع يوآب هذا لو عرفنا أن يوآب هو قائد الجيش, ورئيس وزراء القصر, فكيف يأمر بتحريق حقله لمجرد امتناعه عن تلبية دعوة بالحضور؟
في المنشور التالي : أبشالوم ينقلب على أبيه!
د. سامي الإمام
أستاذ الديانة اليهودية
كلية اللغات والترجمة/جامعة الأزهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق