الخميس، 19 يناير 2017

الرشوة والتربح في اليهودية #שוחד_וטובת_הנאה_ביהדות

تطلق التوراة كلمة "رشوة" على أنواع عدة من الأعطيات التي تقدم بغرض تحقيق مصلحة من آخذها؛ حتى تلك الهدية التي يرسلها الملك لحليف له لكي يعينه في الحرب, أو في شأن يخص العلاقات بين الدول, كما ورد الحديث عن الملك كوروش : 
(فيبني مدينتي ويطلق سراح أسراي، لا بثمن ولا لقاء مكافأة، يقول الرب القدير). أو حتى الفدية التي يدفعها الجاني لأقارب القتيل (لا يقبل الفديةَ، ويأبى الاسترضاء مهما أكثرت الرّشوة).
وكذا الفداء الذي يقدم للطغاة بغية ابتعادهم عن الجور (هل طلبت منكم شيئًا، أو سألتكم أن ترشوا من مالكم من أجلي؟ هل قلت: أنقذوني من قبضة الخصم، أو افدوني من نير العتاة؟).
وتطلق الرشوة, أيضًا, على العطيّة التي تقدم للقاضي لكي يُحرف الحكم :
(غير أنهما لم يسلكا في طَريقه، بل غويا وراء المكسب وقبلا الرّشوة وحابيا في القضاء).
فيحرم على القاضي تمامًا قبول الرشوة :(لا تقبل رشوة لأن الرّشوةَ تعمي المبصرين وتُحرّف أقوال الصالحين). وقابل الرشوة ملعون (ملعون كل من يأخذ رشوة ليقتل نفسًا بريئة).
وقد ضرب الرب مثلا بذاته أنه لا يرتشي (لأن الرب إلهكم ...الذي لا يحابي وجه أحد، ولا يرتشي. إنه يقضي حق اليتيم والأرملة، ويحب الغريب..).
كما لا يجوز تحقيق أية منفعة من وراء ما يُعطى للفقراء والمحتاجين, من الفروض الشرعية الأربعة (زوايا الحقل, والعطايا, واللقاط, وما يُنسى).فصاحب المزروعات غير مخيّر في مَن يأخذ تلك الفروض, ولا يجوز أن يحقق أية مصلحة من الفقير, أو المحتاج, أو عابر السبيل الذي يأخذها. والاستثناء في ذلك جواز أن يختار كاهنًا معينًا ليخصّه بالعشور المفروض إخراجها للكهنة واللاويين, وله أن يحقق منفعة من وراء ذلك.!
وقد ذكرت الرشوة في التوراة مع التركيز على القضاء (لا تعوّجوا الْقضاء ولاَ تحابُوا، ولا تقبلوا رشوة، لأَن الرّشوة تعمي أَبصار الحكماء، وتعوِّج أقوال الصّدّيقين. العدل والعدل وحده أجروا، لتحيوا وتمتلكوا الأرض الّتي يهبها الرب إلهكم لكم. (التثنية 16 : 19)
وقد أكد الأنبياء على خطورة الرشوة على حياة الناس والمجتمعات وشددوا على تحريم الرشى.
وجاء في أقوال الحكماء ما يعزز حكم الرشوة " اللعنة على نفوس المرتشين", وقال الرابي إسحاق : كل قاض يقبل الرشوة يتسبب في سخط شديد في العالم" و"كل من يأخذ رشوة يخسر المال وفي النهاية يخسر نفسه"
فقد ركّزت التوراة على موضوع الرشوة في القضاء وحذّرت القضاة من أثرها في تحريف الأحكام, لكن ماذا عن مجالات الرشوة الأخرى؟ 
تُحظر الرشوة على القاضي حتى ولو ليحكم بالحقّ والعدل! وتحذر القضاء من تحريف الحكم احترازًا لحالات يدفع فيها الطرفان المتخاصمان رشوة للقاضي فيلجأ إلى تحريف الحكم لصالح أحدهما. وتؤكد الشريعة على أن الرشوة تشتري القلوب وتأسر التعاطف فتجعل الراشي والمرتشي قلبًا واحدًا وبذلك تمنع حياد القاضي! 
ولا يقتصر مفهوم الرشوة على العطايا المادية فقط بل يتعدّاها للعطايا المعنوية؛ فضرب لها أمثلة كالقاضي الذي همّ بالصعود على سطح مركب صغير ليعبر النهر فمدّ أحد منْ بالسطح وساعد القاضي في صعوده, فهذا لا يحكم له القاضي (المقصود أن هذا القاضي يستبعد من الحكم في أية قضية يكون فيها مثل هذا الرجل أحد المتقاضين!), وكذلك لو أن شخصًا رفع ريشة دقيقة كانت عالقة بمعطف القاضي فهذا أيضًا لا يحكم له القاضي. 
ويحظر على القضاة أيضًا قبول رِشىً غير مباشرة لكنها تحصد فوائد من بعيد.
لذلك حذر الرب حتى الأنبياء :
(ستمعوا هذا يارؤساء بيت يعقوب وقضاةَ شعب إسرائِيل الّذين يكرهون العدل ويحرّفون الحقّ. الّذين يبنون صهيون بالدّم وأُورشليم بالظُّلم. إذْ يحكم رؤساؤُها بالرّشوة، وكهنتها يُعَلِّمون بالأُجرة ويتعاطى أنبياؤها العرافة لقاء المال، ومع ذلك يدّعون الاتّكال على الله قائلين: أليس الرب في وسطنا؟ لذلك لن يصيبنا مكروه).وكان هذا الفهم نذير خراب على اليهود!
وهل يعطي اليهودي رشوة لغير اليهودي؟
لم يرد ذكر تقديم الرشوة لغير اليهودي في التوراة لكن الأمثلة العملية لحياة اليهود في بلاد الغرب ألمانيا مثلا أجاز الحاخامات دفع الرشوة للقاضي غير اليهودي حتى لو كان الخصمان يهوديان! 
وبشكل عام فإن التوراة حظرت على اليهودي قبول الرشوة لكنها لم تحظر إعطاءها. وهذه هى الثغرة التي يستغلها كثير من اليهود ويتفننون في استخدامها!
هذا هو مفهوم الرشوة والتربح في النصوص التوراتية, أما في مصطلحات العبرية الحديثة فالكلمة "رشوة" تنصرف فقط إلى صفقات الفساد التي تقدم فيها الأموال أو ما يساويها للقائمين على السلطة أو القضاء من أجل تشويه العدالة لصالح الراشي. 
د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق