السبت، 25 فبراير 2017

المرأة في وظائف قياديَّة قديمًا وحديثًا (في اليهوديَّة)

كانت "دبورا" نبيَّة وقاضية في بني إسرائيل, وتأتي قصتها في سفر يسمّى "سفر القضاة", بكتاب اليهود المقدّس, التناخ. وتذكر سيرتها أنها كانت امرأة قويّة وحكيمة لذا تولّت وظيفة القضاء ضمن مجموعة قضاة حكموا في حقبة تسمى (عصر القضاة), التي تسمى باسمها السفر. وعاصرتها امرأة أخرى تميّزت بالشدّة أيضًا هى "ياعيل" زوجة شخص يدعى "حيبر القيني", يرجعه الحكماء لقرابة لحَمي موسى عليه السلام, حوباب بن رعوئيل, وكانت تولّت قتل سيسرا, قائد جيش "يابين" ملك كنعان, في ذلك الوقت.


فكانت دبورا نبيَّة للشعب وقاضية عليه, (جدير بالذكر أن باليهودية 7 نبيَّات), بعد حقبة ارتداد طويلة لم يرتدع بنو إسرائيل فيها وراحوا يعبدون الأوثان ويتركون طريق الرب, نقرأ عن خيانتهم:
(غَيْرَ أَنَّهُمْ عَصَوْا قُضَاتَهُمْ أَيْضاً، وَخَانُوا الرَّبَّ إِذْ عَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا، وَتَحَوَّلُوا سَرِيعاً عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي سَلَكَهَا آبَاؤُهُمْ إِطَاعَةً لِوَصَايَا الرَّبِّ).
وكانت هذه هى الظروف التي تولّت فيها دبورا قيادة الشعب؛ المرتدّ المارق. والغريب في هذا الحدث هو أن باراك هذا الذي توسّمت فيه الشجاعة والإقدام على حرب الأعداء خذلها حين أخبرته بأمر الرب بالخروج للقتال منذ البداية إذ : 
(قَالَ لَهَا بَارَاقُ: «إِنْ ذَهَبْتِ مَعِي أَذْهَبْ، وَإِنْ لَمْ تَذْهَبِي فَلاَ أَذْهَبُ». 9فَأَجَابَتْ: «أَذْهَبُ مَعَكَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَنْ يَكُونَ لَكَ فَخْرٌ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي أَنْتَ مَاضٍ فِيهَا، لأَنَّ الرَّبَّ يُسَلِّمُ سِيِسَرَا لاِمْرَأَةٍ». فَنَهَضَتْ دَبُورَةُ وَرَافَقَتْ بَارَاقَ إِلَى قَادَش).
فحاربت دبورا وباراق وياعيل وجيشهم وانتصروا على جنود "يابين" ملك كنعان. وكان لياعيل التي ذكرناها الفضل في قتل سيسرا!
وبذلك ينسب لدبورا النبيَّة القاضية إنقاذ الشعب الإسرائيلي أنذاك وسجل التاريخ لهذه المرأة هذا الشرف وخلد ذكراها لما قامت به في وقت حرج بمسيرة بني إسرائيل. (القرن 13 ق.م).
ومع ذلك يمكننا أن نستنتج أن ظهور النساء وبروزهن في هذه الحال له أسبابه الواضحة في القصة التي أمامنا! من ذلك انحراف الشعب ومروق الرجال ويبدو ذلك جليا في مقولة باراق «إِنْ ذَهَبْتِ مَعِي أَذْهَبْ، وَإِنْ لَمْ تَذْهَبِي فَلاَ أَذْهَبُ»! وتذكرنا هذه المقولة بمقولة بني إسرائيل حين قالوا لموسى عليه السلام "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون", في القرآن الكريم!
ننتقل إلى امرأة أخرى لا تقل أهمية عن دبورا في تاريخ بني إسرائيل وهى استير, التي يحمل اسمها أحد أسفار "العهد القديم". فهى امرأة لعبت دورًا بطوليًا عندما خلصت شعبها من شرّ "هامان" وزير الملك "أحشويروش" الذي أراد أن يلحق السوء باليهود في بلاد مادي وفارس. بعد أن استطاع الحصول على أمر ملكي بإبادتهم جميعًا. ويذكر السفر كيف أن "مردخاي" ابن عم استير اكتشف مؤامرة لقتل الملك وبذلك نجا الملك من الموت. وكيف أن الله يسمع صلوات من يدعوه ويتوسل إليه ويقبلها كما عملت استير وصامت مع ابناء شعبها ثلاثة أيام بالتوسل والصلاة. فسمع الله صلاتهم ونجاهم على يد استير من الهلاك (521 – 495 ق.م) وللقصة تفاصيل دقيقة ترقى بها إلى المبالغة ويمكن متابعة فصولها وعجائبها بقراءة سفر إستير في كتاب "العهد القديم".
ولمكانة استير ودورها في غواية الملك بجمالها وذكائها تُسمَّى باسمها الآخر (هداسا) مستشفى شهير بإسرائيل وسميت إستير بهذا الاسم لأنها كانت يتيمة الأب والأم وكانت في رعاية ابن عمّها مردخاي, وكانت رائعة جميلة حسنة الخصال والصفات فشبّهت بنبات عطري فوّاح الشذى اسمه هداسا, فسميت به.
نعرف إذًا مما سبق أن الشريعة لا تحظر تولي المرأة مناصب قيادية ابتداءً من وظيفة النبوّة والقضاء والدور السياسي أيضًا. لكن هذا في حقبة زمنية بعيدة جدًا تحدد بالسنوات الواقعة بين سنتي 1300 ق.م - و130 ميلادي, أما بعد ذلك وعبر حوالي 2000 سنة, مرورًا بالعصور الوسطى وحتى العصر الحديث فلم يكن لليهود دولة تمارس فيها الحقوق السياسية والبرلمانية والقضائية لأنهم كانوا في الشتات وخضعوا لسلطان الدول التي كانوا يعيشون فيها.
ومنذ احتلال فلسطين (1948م) وإلى الوقت الحالي فإن الدينيين المتشددين المعروفين بالحريديم هم من يتبنوا رأيًا فريدًا للراب موسى ابن ميمون, من العصور الوسطى, يقول بعدم تولي المرأة مناصب قيادية وقد خالفهم معظم الحاخامات والمفكرين اليهود واستدلوا بما ذكرناه سابقًا من سيرة النساء في كتاب "العهد القديم", وهو المرجع الأساسي في القضية. 
فقد تولّت المرأة في الكيان الصهيوني ولا تزال تتولّى مناصب قيادية عدّة, كرئيسة وزراء, وقاضية, ورئيسة محكمة, وحتى في خارج إسرائيل كنيويورك حيث تتولى نساء يهوديات مهمة القضاء, وتتولى المرأة أيضًا في اليهودية منصب الحاخامة الديني المهم.
وفي صراع المرأة الإسرائيلية مع سطوة المتشددين الدينيين استطاعت مؤخرًا سيدات أمثال "أوريت قصير", و"سمدر شيختر", و"ميراف شفارتس", من تولي قيادة طائرات تجارية في شركة العال الإسرائيلية التي كانت أعلنت أنها لا تنظر إلى جنس من يقود الطائرة, رجلا كان أم امرأة, بقدر ما تنظر إلى كفاءته واجتيازه الاختبارات شديدة التعقيد الموضوعة أمام المتقدمين للوظيفة, فلما اجتزن مجموعة الاختبارات عينّ كقائدات للطائرة. 
فضلا عن تجنيدها مع الرجال في مهام عسكرية, فتباشر التدريبات الشاقة, وتقود الفرق والفصائل, بل والكتائب, وتتولى الحراسة, وتقود الدبابة, والطائرة المقاتلة, وترأس شعب التنظيم والإدارة,
كما تولّت المرأة الإسرائيلية مؤخرًا وبعد صراع من الطوائف الدينية المتشددة ضد توظيف المرأة! وبمؤازرة جعيات تتبنّى وجهة نظرهن أمام القضاء, وظيفة قائدة طائرة حربية مقاتلة.
كما شغلت المرأة وظيفة قيادة السفن الحربية ولنشات الصواريخ وأجهزة الحاسوب داخل الغواصات والتحكم في الرادارات للسيطرة عن بعد وتسيير الطائرات بدون طيار ومتابعة ورصد تحركات العدو, وغير ذلك من المهام المختلفة التي تحسنها وتبلغ مستوى من الكفاءة يؤهلها لذلك.
د. سامي الإمام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق