قراءة في كتاب (طهران, طريق الثورة) .
الكتاب تأليف الكاتب المطارد من الاستخبارات الإيرانية, أمير حسن جهلتان, الذي تتميز كتاباته بالجرأة ونقد الحياة في إيران.
لكننا هذه المرة سنحاول استطلاع آرائه عبر قراءة عبرية, أو على الأقل التعليق على مضمونه من وجهة نظر إسرائيلية!قامت بترجمة هذا الكتاب الذي عنوانه الأصلي بالفارسيَّة (من أحشويروش حتى أحمدي نجاد) الى العبرية أورلي نوي, لكن كاتبة المقال عن الكتاب, تقول إنها تلقت نسخة بخط اليد منه لكي تكتب عنه الرأي الأخير. وتقول: إنا قرأت النسخة العبرية). لكنها توصي مع ذلك بقراءة ترجمة أورلي نوي لما لها من سمعة طيبة في الترجمة من اللغات الأخرى. وتنصح الدارسين والتلاميذ بقراءة هذا الكتاب!
وقد تم اختيار اسم الترجمة العبرية للكتاب بالتشاور مع مؤلفه, أما العنوان بالفارسية في المسودّة اليدوية فكان من المحظور نشره في إيران.
وفي المجمل فإن محتوى الكتاب يسجل تدهور المعايير الأخلاقية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد ثورة الخميني, وقد كان أحد أسباب اندلاع الثورة الإسلامية الفساد والانحلال الأخلاقي لدى القابضين على زمام الحكم وحاشيتهم, ورغبة الناس في حكم عادل ومنصف. ونفهم من عنوان الكتاب التهكّمي أنه ربما كان (تقاطع سيمون بوليفارد), وهو ميدان في طهران على اسم الثائر بوليفار, في إشارة إلى تقاطع رئيس يشير إلى اتجاهين هما الشرق والغرب في حين يشير رمز الثورة الإسلامية (لا شرق ولا غرب فقط إيران),
لنقرأ سويًا مختصرًا لهذا الكتاب:
بدأ فتاح, الراوي بضمير المتكلم قصته, فيبدأ بسرد ذكرياته منذ حقبة ما قبل الثورة, فيوضح الخلفية الاجتماعية لتلك الحقبة: فعلى الرغم من أننا نعرف عن حقبة الشاه والانفتاح على الغرب فإن كثيرين كانوا يعانون الجوع وكان يعوذهم الخبز. ونعرف أيضًا أن المجتمع كان لا يزال ملتزمًا بأخلاقياته التقليدية كطرد فتاة من بيت العائلة إذا تبيّن أنها حامل دون زواج! أما من ذكرياته عن حقبة الثورة ذاتها فيتذكر أباه الذي قضى في أعمال شغب في غضون أيامها الأولى, قبل اندلاع الحرب, وكيف تبنّى هو وأمه الهوية الإسلامية الجديدة وكيف بدأوا كنتيجة لذلك ارتقاء السلم الاجتماعي.
انتقل المؤلف بعد ذلك إلى سنوات الثمانين, السنون الأولى للجمهورية الإسلامية: تبدو فيها الحرب الإيراني العراقية في خلفية باهتة, في حين الشيء البارز الوحيد في الأحداث هو انضمام أمه لقوات المعاونة. أما فتاح نفسه فقدم نفسه كمنضم لعصابة تضايق وتضطهد أي شخص يتبنّى طريقة حياة علمانية علنًا: كالشباب والفتيات الذين يستمعون للموسيقى الغربية في الشوارع, أو الفتيات والنسوة اللاتي لا يلتزمن بارتداء الحجاب.
يغيب, في القصة, تمامًا عن الوصف أية سيرة للأنترنت أو الموبايل, وكذلك أية أوصاف لملامح المدينة – وعلى سبيل المثال إشارة المرور تلك الموجودة عند حديقة لونا بارك التي حلّ محلها في سنين الألفين شيئًا ضخمًا قضم من مساحة اللونا بارك, وهو ما يعرف منه أن حبكة القصة وقعت في سنين التسعين من القرن الماضي, في حقبة رئاسة راف سنجاني أو خاتمي. انتهت الحرب في تلك الأثناء. ومات الخميني وعين السيد على خمنائي في منصب القائد الأعلى, بهدف تفريغ المنصب ونقل جميع صلاحيات الرئيس على أكبر هاشمي راف سنجاني. وفي بداية العقد كان راف سنجاني هو الذي يمسك بزمام السلطة في البلاد, لكن خمنائي تمكن عن طريق مجموعة القوانين التي مررها من توسيع سلاحيات القائد شيئًا فشيئًا, وأصبح في يده كل شيء ولا يخضع للمساءلة؛ فهو فوق القانون. وأصبح الرئيس الذي خلفه محمد خاتمي مجرد دميّة يحركها خمنائي: وهنا برزت للسطح مسألة البرنامج النووي والعقوبات وعلى الرغم من تأكيدات الرئيس الجديد بإطلاق حرية التعبير وحريات أخرى فلم يكن الأمر بيده وغاص المجتمع الإيراني في نظام دكتاتوري أكثر من ذي قبل. وكان أكبر إسهام للرئيس رافسنجاني والذي لا يزال ماثلا إلى يومنا هذا هو إثراء عدد قليل من الموالين للنظام على حساب طبقات المجتمع الأخرى.
كان من نتائج الثورة الإسلامية ظهور طبقية مجتمعية: فمعظم الأغنياء الذين جمعوا ثروات قبل الثورة فرّوا لخارج إيران, وقليلون منهم أعدموا. واختفت الطبقة الوسطى كما لو أنها لم تكن موجودة, ومن ابتسم له الحظ منهم أعدم, والغالبية فقدوا كل ثروتهم. أما الطبقات الدنيا فقد تراكمت ثرواتهم وقوتهم وأصبحوا هم أصحاب الطبقة العليا والمتوسطة. ونتيجة لذلك فهناك اليوم بإيران فجوات اجتماعية واقتصادية عميقة بين الأغنياء والفقراء, تشكل معضلة ملحة مستعصية على الحل.
وكما ذكرنا سابقًا فإن فتاح القاص والشخصية الرئيسة في الحبكة, كان أحد الأغنياء الجدد, من أولئك الذين تحسنت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية في زمن الثورة بشكل كبير. وهو يمثّل النماذج المتسلقة المستغلّة لأي فرصة للارتقاء اقتصاديا واجتماعيا: كان قبل الثورة موزعًا للكحوليات. وأثناء الثورة بينما كان المتظاهرون يحرقون ويدمرون مخزن الكحول الذي يعمل به قرر الانضمام لمشعلي النار في حانوته. وعلى الرغم من أنه هو نفسه جاء للحياة خارج إطار الزواج الشرعي, فإنه بعد الثورة انضم لميليشيات الباسيج (هم جماعات من المتطوعين الذين يحصلون على فوائد من رجال السلطة, وهم اليوم جزء من الحرس الثوري) يضيِّق على الفتيان والفتيات الذين يقيمون (علاقات غير شرعية), بالضبط كتلك التي أتت به إلى العالم. ويسعى للفصل بين المغنية جوجوش وزوجها لتحقيق رغباته الشخصية – وعلى الرغم من أن ما يثيره لا وجود له على أرض الواقع إلا أنه مصرّ على تحقيق مآربه بمعونة ماشاء الله (وهو شخص مشكوك في واقعيته, وقد يكون من نسج خيال فتاح).
أما عمله فهو "طبيب" رغم انه لم يُعدّ لذلك وكل خبراته في مجال الطب هو تنظيف حجرات العمليات بعد الجراحات. وعلى النقيض من قواعد الشريعة فقد جمع ثروته من عمليات ترقيع غشاء البكارة وهو ما يخالف كل قواعد الدين الإسلامي كما يساعد زبائنه أولئك الذين أخطأوا وأقاموا علاقات جنسية قبل الزواج, ومن ذلك أيضًا مساعدتهم في خداع ذلك القادم للزواج منهن بثقة أنهن لا يزلن عذراوات.
يتبع
د. سامي الإمام
الكتاب تأليف الكاتب المطارد من الاستخبارات الإيرانية, أمير حسن جهلتان, الذي تتميز كتاباته بالجرأة ونقد الحياة في إيران.
لكننا هذه المرة سنحاول استطلاع آرائه عبر قراءة عبرية, أو على الأقل التعليق على مضمونه من وجهة نظر إسرائيلية!قامت بترجمة هذا الكتاب الذي عنوانه الأصلي بالفارسيَّة (من أحشويروش حتى أحمدي نجاد) الى العبرية أورلي نوي, لكن كاتبة المقال عن الكتاب, تقول إنها تلقت نسخة بخط اليد منه لكي تكتب عنه الرأي الأخير. وتقول: إنا قرأت النسخة العبرية). لكنها توصي مع ذلك بقراءة ترجمة أورلي نوي لما لها من سمعة طيبة في الترجمة من اللغات الأخرى. وتنصح الدارسين والتلاميذ بقراءة هذا الكتاب!
وقد تم اختيار اسم الترجمة العبرية للكتاب بالتشاور مع مؤلفه, أما العنوان بالفارسية في المسودّة اليدوية فكان من المحظور نشره في إيران.
وفي المجمل فإن محتوى الكتاب يسجل تدهور المعايير الأخلاقية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد ثورة الخميني, وقد كان أحد أسباب اندلاع الثورة الإسلامية الفساد والانحلال الأخلاقي لدى القابضين على زمام الحكم وحاشيتهم, ورغبة الناس في حكم عادل ومنصف. ونفهم من عنوان الكتاب التهكّمي أنه ربما كان (تقاطع سيمون بوليفارد), وهو ميدان في طهران على اسم الثائر بوليفار, في إشارة إلى تقاطع رئيس يشير إلى اتجاهين هما الشرق والغرب في حين يشير رمز الثورة الإسلامية (لا شرق ولا غرب فقط إيران),
لنقرأ سويًا مختصرًا لهذا الكتاب:
بدأ فتاح, الراوي بضمير المتكلم قصته, فيبدأ بسرد ذكرياته منذ حقبة ما قبل الثورة, فيوضح الخلفية الاجتماعية لتلك الحقبة: فعلى الرغم من أننا نعرف عن حقبة الشاه والانفتاح على الغرب فإن كثيرين كانوا يعانون الجوع وكان يعوذهم الخبز. ونعرف أيضًا أن المجتمع كان لا يزال ملتزمًا بأخلاقياته التقليدية كطرد فتاة من بيت العائلة إذا تبيّن أنها حامل دون زواج! أما من ذكرياته عن حقبة الثورة ذاتها فيتذكر أباه الذي قضى في أعمال شغب في غضون أيامها الأولى, قبل اندلاع الحرب, وكيف تبنّى هو وأمه الهوية الإسلامية الجديدة وكيف بدأوا كنتيجة لذلك ارتقاء السلم الاجتماعي.
انتقل المؤلف بعد ذلك إلى سنوات الثمانين, السنون الأولى للجمهورية الإسلامية: تبدو فيها الحرب الإيراني العراقية في خلفية باهتة, في حين الشيء البارز الوحيد في الأحداث هو انضمام أمه لقوات المعاونة. أما فتاح نفسه فقدم نفسه كمنضم لعصابة تضايق وتضطهد أي شخص يتبنّى طريقة حياة علمانية علنًا: كالشباب والفتيات الذين يستمعون للموسيقى الغربية في الشوارع, أو الفتيات والنسوة اللاتي لا يلتزمن بارتداء الحجاب.
يغيب, في القصة, تمامًا عن الوصف أية سيرة للأنترنت أو الموبايل, وكذلك أية أوصاف لملامح المدينة – وعلى سبيل المثال إشارة المرور تلك الموجودة عند حديقة لونا بارك التي حلّ محلها في سنين الألفين شيئًا ضخمًا قضم من مساحة اللونا بارك, وهو ما يعرف منه أن حبكة القصة وقعت في سنين التسعين من القرن الماضي, في حقبة رئاسة راف سنجاني أو خاتمي. انتهت الحرب في تلك الأثناء. ومات الخميني وعين السيد على خمنائي في منصب القائد الأعلى, بهدف تفريغ المنصب ونقل جميع صلاحيات الرئيس على أكبر هاشمي راف سنجاني. وفي بداية العقد كان راف سنجاني هو الذي يمسك بزمام السلطة في البلاد, لكن خمنائي تمكن عن طريق مجموعة القوانين التي مررها من توسيع سلاحيات القائد شيئًا فشيئًا, وأصبح في يده كل شيء ولا يخضع للمساءلة؛ فهو فوق القانون. وأصبح الرئيس الذي خلفه محمد خاتمي مجرد دميّة يحركها خمنائي: وهنا برزت للسطح مسألة البرنامج النووي والعقوبات وعلى الرغم من تأكيدات الرئيس الجديد بإطلاق حرية التعبير وحريات أخرى فلم يكن الأمر بيده وغاص المجتمع الإيراني في نظام دكتاتوري أكثر من ذي قبل. وكان أكبر إسهام للرئيس رافسنجاني والذي لا يزال ماثلا إلى يومنا هذا هو إثراء عدد قليل من الموالين للنظام على حساب طبقات المجتمع الأخرى.
كان من نتائج الثورة الإسلامية ظهور طبقية مجتمعية: فمعظم الأغنياء الذين جمعوا ثروات قبل الثورة فرّوا لخارج إيران, وقليلون منهم أعدموا. واختفت الطبقة الوسطى كما لو أنها لم تكن موجودة, ومن ابتسم له الحظ منهم أعدم, والغالبية فقدوا كل ثروتهم. أما الطبقات الدنيا فقد تراكمت ثرواتهم وقوتهم وأصبحوا هم أصحاب الطبقة العليا والمتوسطة. ونتيجة لذلك فهناك اليوم بإيران فجوات اجتماعية واقتصادية عميقة بين الأغنياء والفقراء, تشكل معضلة ملحة مستعصية على الحل.
وكما ذكرنا سابقًا فإن فتاح القاص والشخصية الرئيسة في الحبكة, كان أحد الأغنياء الجدد, من أولئك الذين تحسنت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية في زمن الثورة بشكل كبير. وهو يمثّل النماذج المتسلقة المستغلّة لأي فرصة للارتقاء اقتصاديا واجتماعيا: كان قبل الثورة موزعًا للكحوليات. وأثناء الثورة بينما كان المتظاهرون يحرقون ويدمرون مخزن الكحول الذي يعمل به قرر الانضمام لمشعلي النار في حانوته. وعلى الرغم من أنه هو نفسه جاء للحياة خارج إطار الزواج الشرعي, فإنه بعد الثورة انضم لميليشيات الباسيج (هم جماعات من المتطوعين الذين يحصلون على فوائد من رجال السلطة, وهم اليوم جزء من الحرس الثوري) يضيِّق على الفتيان والفتيات الذين يقيمون (علاقات غير شرعية), بالضبط كتلك التي أتت به إلى العالم. ويسعى للفصل بين المغنية جوجوش وزوجها لتحقيق رغباته الشخصية – وعلى الرغم من أن ما يثيره لا وجود له على أرض الواقع إلا أنه مصرّ على تحقيق مآربه بمعونة ماشاء الله (وهو شخص مشكوك في واقعيته, وقد يكون من نسج خيال فتاح).
أما عمله فهو "طبيب" رغم انه لم يُعدّ لذلك وكل خبراته في مجال الطب هو تنظيف حجرات العمليات بعد الجراحات. وعلى النقيض من قواعد الشريعة فقد جمع ثروته من عمليات ترقيع غشاء البكارة وهو ما يخالف كل قواعد الدين الإسلامي كما يساعد زبائنه أولئك الذين أخطأوا وأقاموا علاقات جنسية قبل الزواج, ومن ذلك أيضًا مساعدتهم في خداع ذلك القادم للزواج منهن بثقة أنهن لا يزلن عذراوات.
يتبع
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق