يلاحظ القاريء المدقّق لآيات القرآن الكريم أن الاسم إبراهيم يرسم فيها بطريقتين؛ الأولى بدون الياء التي بين الهاء والميم (إبراهم), والثانية بياء بين الهاء والميم (إبراهيم)؛ ففي مصاحف الشام والعراق تحذف الياء بين الهاء والميم في حين في المصاحف الحجازية تثبت الياء.
وهذا الفرق في طريقة الكتابة يتبدى في سورة البقرة فقط دون سور القرآن الكريم كلها.هذا عن الياء, وهناك فرق آخر في طريقة كتابة الألف الثانية في الاسم؛ أي التي بعد الراء.
ولمحاولة توضيح أوجه ذلك لأن علماءنا لا يقولون علَّة ذلك بل وجه ذلك أي حكمته, نقول:
• ورد الاسم إبراهيم في القرآن الكريم 69 مرّة, في 25 سورة, ابتداءً من آية (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ), في سورة البقرة/الآية 124, إلى آية (صحف إبراهيم وموسى), في سورة الأعلى/الآية 19. جاء الاسم في سورة البقرة وحدها 15 مرة, منهم 11 مرّة في ربع (وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات)
• اتفق كل قراء المصاحف على حذف الألف الثانية, في الاسم إبراهيم, أي التي بعد الراء, ورسم ألف إشارة صغيرة عند هذا الموضع. وقالوا في وجه ذلك إن الاسم إبراهيم, عند العرب, فيه لغتان, وإن من قرأ بإثبات الياء فقراءته قياسيّة؛ أي أن ما ينطق يُكتب, كقراءة حفص.
• وقيل : إنهم كتبوا ما في البقرة بغير ياء ، وأن هذا يدل على أنه إبراهام ، وحذفت الألف من الخطّ ، كما حذفت من دراهم، ونحو ذلك، فيشبه أنّه قرأ إبراهام، وما ثبت فيه مما يدلك على ذلك. وقد روي أنّه سُمع ابن الزبير يقرأ : (صحف إبراهام) سورة الأعلى/ الآية 19, بألف .
وقالوا إن طريقتي كتابة الاسم إبراهم وإبراهيم إنما يرجع إلى ان للاسم قراءتان عند العرب وأن القراءة هنا توقيفية ولا تخضع لتعليل!!
لكن القاريء للكتاب المقدّس عند اليهود؛ المقرا (النصّ المقروء تمييزًا له عن المشنا؛ النصّ الشفهي "في حقبة قديمة"), أو التناخ, أو ما يسمّى في المصادر المسيحية "العهد القديم" بعد أن اتخذته المسيحية أساسًا لكتابهم المقدّس؛ الإنجيل, أقول يجد القاري كذلك رسمين لكتابة الاسم إبراهيم؛ الأول آبرام/אברם, والثاني آبراهام אברהם.
وهنا نتساءل: لماذا جاء الاسم خلال كل سورة البقرة بدون الياء (ابراهم), واعتبارًا من سورة آل عمران الآية 33 بدا الاسم يظهر بياء (إبراهيم)؟ (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) آل عمران/33
ربما ما تضمنته رواية سفر التكوين يكشف لنا جزءًا أشار إليه القرآن الكريم, كما سنوضح بعد قراءة نص التكوين:
(وَعِنْدَمَا كَانَ أَبْرَامُ فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ، ظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ قَائِلاً: «أَنَا هُوَ اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، 2فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَأُكَثِّرَ نَسْلَكَ جِدّاً».
فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ، فَخَاطَبَهُ اللهُ قَائِلاً: 4«هَا أَنَا أَقْطَعُ لَكَ عَهْدِي، فَتَكُونُ أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ.
وَلَنْ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدَ الآنَ أَبْرَامَ (وَمَعْنَاهُ الأَبُ الرَّفِيعُ) بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ (وَمَعْنَاهُ أَبٌ لِجُمْهُورٍ) لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ). سفر التكوين/الإصحاح 17
والشاهد هنا آية : وَلَنْ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدَ الآنَ أَبْرَام, بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ).
آبْرام > > > > أبْراهَام
آب/رام > > > > آب/راهام
فالمعنى المقصود في هذه الآية التوراتية هو أن إبراهيم عليه السلام تحول من أب لأمة واحدة, أو جمور واحد, إلى أب لأمم عدّة, وجماهير مختلفة, هو وذريته.
وللتعبير عن ذلك بلغة كنعان (التي سميت حديثًا بالعبرية!), يبدو لنا الأمر على هذا الوجه:
אב/רם : أب/عال, رفيع القدر, كبيرهم, أبوهم, أب لأمة (لجمهور)
אב/רהם : أب/لهم, كبيرهم, أب لأمم (لجماهير)
ويحتمل أن الصيغة كانت אבלם (إلى جانبאַבָּם, وبإحلال حرف اللام ל ) وبما أن حرفي اللام والراء يتبادلان صوتيًا, تحولت إلى אברם.
وفي حالة إسناد الاسم إلى الجمع (أمم/جماهير) فيحتمل أن الصيغة كانت אַבְלָהֶם (أب لهم), ثم ابدلت اللام راء بعلاقة تبادلهما صوتيًا فأصبحت אַבְרָהָם/ وفي العربية אַבְרָהֶם أبراهام/إبراهيم.
نخلص من ذلك أن لفظ (إبراهم) الوارد بالقرآن الكريم يذكر إبراهيم عليه السلام بصفته أبًا لأمة :
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ((128).
التعبير هنا بأمة ورد فيه الاسم (ابراهم), بدون الياء دلالة الجمع في السامية القديمة (في فرعها الكنعاني).
ويبدأ الاسم نفسه الظهور بياء الجمع (إبراهيم) في سورة آل عمران, نقرأ:
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33).
فكان الاسم (ابراهم) بدون ياء الجمع مع الاسم بدون (آل), لكن لما أصبح معه آل (آل إبراهيم) ظهرت هنا ياء الجمع, وآل هنا تشير إلى الأمم:
وهذا فرق جلي في التعبير عن (إبراهم), بدون الياء, حين كان أمةً, و(إبراهيم) بياء الجمع حين أصبح معه أمم. وبذلك يتضح أن القرآن الكريم حافظ على هذا التطور وترك شواهده في آياته الكريمة.
وبالنسبة للعبرية فقد قلنا ما يمكن قوله في الصيغ المختلفة للاسم آبرام وآبراهام.
والمنشور وما ذكرنا فيه مجرد اجتهاد في جانبه اللغوي سواء داخل اللغة السامية القديمة (الكنعانية) التي سميت حديثًا بالعبرية أو في جانبه المقارن بين العربية والعبرية او بين نصّي التوراة والقرآن الكريم, واردنا من اجتهادنا إكمال جهود سابقة ودعمها, وكا ذلك قابل لنقد!
د. سامي الإمام
وهذا الفرق في طريقة الكتابة يتبدى في سورة البقرة فقط دون سور القرآن الكريم كلها.هذا عن الياء, وهناك فرق آخر في طريقة كتابة الألف الثانية في الاسم؛ أي التي بعد الراء.
ولمحاولة توضيح أوجه ذلك لأن علماءنا لا يقولون علَّة ذلك بل وجه ذلك أي حكمته, نقول:
• ورد الاسم إبراهيم في القرآن الكريم 69 مرّة, في 25 سورة, ابتداءً من آية (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ), في سورة البقرة/الآية 124, إلى آية (صحف إبراهيم وموسى), في سورة الأعلى/الآية 19. جاء الاسم في سورة البقرة وحدها 15 مرة, منهم 11 مرّة في ربع (وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات)
• اتفق كل قراء المصاحف على حذف الألف الثانية, في الاسم إبراهيم, أي التي بعد الراء, ورسم ألف إشارة صغيرة عند هذا الموضع. وقالوا في وجه ذلك إن الاسم إبراهيم, عند العرب, فيه لغتان, وإن من قرأ بإثبات الياء فقراءته قياسيّة؛ أي أن ما ينطق يُكتب, كقراءة حفص.
• وقيل : إنهم كتبوا ما في البقرة بغير ياء ، وأن هذا يدل على أنه إبراهام ، وحذفت الألف من الخطّ ، كما حذفت من دراهم، ونحو ذلك، فيشبه أنّه قرأ إبراهام، وما ثبت فيه مما يدلك على ذلك. وقد روي أنّه سُمع ابن الزبير يقرأ : (صحف إبراهام) سورة الأعلى/ الآية 19, بألف .
وقالوا إن طريقتي كتابة الاسم إبراهم وإبراهيم إنما يرجع إلى ان للاسم قراءتان عند العرب وأن القراءة هنا توقيفية ولا تخضع لتعليل!!
لكن القاريء للكتاب المقدّس عند اليهود؛ المقرا (النصّ المقروء تمييزًا له عن المشنا؛ النصّ الشفهي "في حقبة قديمة"), أو التناخ, أو ما يسمّى في المصادر المسيحية "العهد القديم" بعد أن اتخذته المسيحية أساسًا لكتابهم المقدّس؛ الإنجيل, أقول يجد القاري كذلك رسمين لكتابة الاسم إبراهيم؛ الأول آبرام/אברם, والثاني آبراهام אברהם.
وهنا نتساءل: لماذا جاء الاسم خلال كل سورة البقرة بدون الياء (ابراهم), واعتبارًا من سورة آل عمران الآية 33 بدا الاسم يظهر بياء (إبراهيم)؟ (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) آل عمران/33
ربما ما تضمنته رواية سفر التكوين يكشف لنا جزءًا أشار إليه القرآن الكريم, كما سنوضح بعد قراءة نص التكوين:
(وَعِنْدَمَا كَانَ أَبْرَامُ فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ، ظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ قَائِلاً: «أَنَا هُوَ اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، 2فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَأُكَثِّرَ نَسْلَكَ جِدّاً».
فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ، فَخَاطَبَهُ اللهُ قَائِلاً: 4«هَا أَنَا أَقْطَعُ لَكَ عَهْدِي، فَتَكُونُ أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ.
وَلَنْ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدَ الآنَ أَبْرَامَ (وَمَعْنَاهُ الأَبُ الرَّفِيعُ) بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ (وَمَعْنَاهُ أَبٌ لِجُمْهُورٍ) لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ). سفر التكوين/الإصحاح 17
والشاهد هنا آية : وَلَنْ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدَ الآنَ أَبْرَام, بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ).
آبْرام > > > > أبْراهَام
آب/رام > > > > آب/راهام
فالمعنى المقصود في هذه الآية التوراتية هو أن إبراهيم عليه السلام تحول من أب لأمة واحدة, أو جمور واحد, إلى أب لأمم عدّة, وجماهير مختلفة, هو وذريته.
وللتعبير عن ذلك بلغة كنعان (التي سميت حديثًا بالعبرية!), يبدو لنا الأمر على هذا الوجه:
אב/רם : أب/عال, رفيع القدر, كبيرهم, أبوهم, أب لأمة (لجمهور)
אב/רהם : أب/لهم, كبيرهم, أب لأمم (لجماهير)
ويحتمل أن الصيغة كانت אבלם (إلى جانبאַבָּם, وبإحلال حرف اللام ל ) وبما أن حرفي اللام والراء يتبادلان صوتيًا, تحولت إلى אברם.
وفي حالة إسناد الاسم إلى الجمع (أمم/جماهير) فيحتمل أن الصيغة كانت אַבְלָהֶם (أب لهم), ثم ابدلت اللام راء بعلاقة تبادلهما صوتيًا فأصبحت אַבְרָהָם/ وفي العربية אַבְרָהֶם أبراهام/إبراهيم.
نخلص من ذلك أن لفظ (إبراهم) الوارد بالقرآن الكريم يذكر إبراهيم عليه السلام بصفته أبًا لأمة :
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ((128).
التعبير هنا بأمة ورد فيه الاسم (ابراهم), بدون الياء دلالة الجمع في السامية القديمة (في فرعها الكنعاني).
ويبدأ الاسم نفسه الظهور بياء الجمع (إبراهيم) في سورة آل عمران, نقرأ:
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33).
فكان الاسم (ابراهم) بدون ياء الجمع مع الاسم بدون (آل), لكن لما أصبح معه آل (آل إبراهيم) ظهرت هنا ياء الجمع, وآل هنا تشير إلى الأمم:
وهذا فرق جلي في التعبير عن (إبراهم), بدون الياء, حين كان أمةً, و(إبراهيم) بياء الجمع حين أصبح معه أمم. وبذلك يتضح أن القرآن الكريم حافظ على هذا التطور وترك شواهده في آياته الكريمة.
وبالنسبة للعبرية فقد قلنا ما يمكن قوله في الصيغ المختلفة للاسم آبرام وآبراهام.
والمنشور وما ذكرنا فيه مجرد اجتهاد في جانبه اللغوي سواء داخل اللغة السامية القديمة (الكنعانية) التي سميت حديثًا بالعبرية أو في جانبه المقارن بين العربية والعبرية او بين نصّي التوراة والقرآن الكريم, واردنا من اجتهادنا إكمال جهود سابقة ودعمها, وكا ذلك قابل لنقد!
د. سامي الإمام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق