الأحد، 21 يوليو 2019

معاناة الفلاشا/يهود إثيوبيا - وجزء من سيرة موسى! (2)

**********************************************
تمتليء صفحات الجرائد الإسرائيلية بقصص معاناة يهود الفلاشا في شتى نواحي الحياة, ويعبر الكثير منهم عن ندمه لتركه اثيوبيا والقدوم إلى إسرائيل, ولا يخفي البعض رغبته في العودة إلى اثيوبيا والعيش هناك بكرامة يفتقدونها في الوطن المزيف, الذي يجعل الطائفية معيارًا للمواطنة.
أن بعضهم تساء معاملتهم لدرجة مقيتة من العنصرية الداخلية حيث تُفرض عليهم ضريبة مقابل مشاهدة التلفاز في بعض الأماكن !! وقد تزداد قيمة الضريبة حين مشاهدة التلفاز في وضع الجلوس مع إسرائيليين آخرين!
وعن تعليل وجود يهود في إثيوبيا من قديم الزمان يرى بعض المؤرخين منهم المؤرخ اليهودي أڤيجدور شاحان, أن بني إسرائيل لم يخرجوا من مصر عبر صحراء سيناء, كما يفترض كثيرون, ولكن خرجوا عبر قارة إفريقيا!. ويرى أنهم توجهوا نحو تشاد والنيجر الحاليتين, ومن هناك إلى غرب السودان فنحو الشرق حيث إثيوبيا ومنها بمحازاة الساحل الغربي للبحر الأحمر شمالا إلى السويس ومن هناك عبروا إلى آسيا واتجهوا شمالا إلى كنعان.
ويعتمد هذا المؤرخ على وجود قبائل إفريقية لا تزال تحتفظ بوصايا توراتية, فضلا عن وجود قبائل اثيوبية (الفلاشا) لا تزال تدين باليهودية منذ ذلك الحين, بالإضافة إلى أماكن عدة تحمل أسماء عبرية, وأن الرحلة استغرقت اربعين سنة.
والغريب في هذا المسار المفترض من المؤرخ اليهودي أنه يتفق مع افتراض الدكتور/كمال الصليبي, الأستاذ بجامعة بيروت, من أن أحداث خروج بني إسرائيل مرت بمنطقة جنوب غربي الجزيرة العربية, ويستدل في ذلك على أدلة اكتشفها في مجالي اللغة والآثار, ويقارنها بالمألوف والسائد مما يسمّى الجغرافيا التاريخية للتوراة. كل ذلك في مؤلفه المعنون بـ "التوراة جاءت من جزيرة العرب". 
جدير بالذكر أن كل هذه الافتراضات والاجتهادات لا تتنافى مع ما ورد بالقرآن الكريم من كلام الله تعالى ولقاءه بعبده موسى على جبل حوريب بسيناء لأن رحلة الخروج والتيه تمت بعد هذه الأحداث كلها. وخاصة أن الآثار المصرية القديمة لم تسجل أي شيء عن تاريخ العبريين بمصر على الرغم من بقائهم أكثر من اربعمائة سنة, بالإضافة إلى حرص الفراعنة على تسجيل كل أحداث التاريخ !!
والافتراضان يدعمان وجود اليهود باليمن واثيوبيا من قبل ظهور الإسلام بمئات السنين!!
موسى يتزوج أميرة إثيوبيا!
يحكي المؤرخ يوسيفوس فيلافيوس, عن فصل من حياة موسى في كتاب "تاريخ اليهود", لم يحظ بالنشر بقدر كاف من قبل على حد قوله. فكما هو معروف فإن سفر الخروج لم يتضمن شيئًا عن حياة موسى منذ انتشل في طفولته من ماء النهر على يد ابنة فرعون, وحتى عاين معاناة بني جلدته وقتل المصري الذي تشاجر مع الإسرائيلي. والجديد هو ما أتى به فلابيوس فيحكي أن موسى كبر في قصر فرعون, وحين بلغ سن الرشد عُين قائدًا للجيش المصري, وقاد جيوش مصر في حربها ضد الأعداء الأثيوبيين! وكانت معركة صعبة! 
ولكي يُضلّل موسى أعداءه الاثيوبيين سلك بالجيش طريقًا غير متوقعة عبر الصحراء, ولكن هناك كان عليه أن يشتبك مع عدو غير متوقع! : حيّات طائرة!, 
كانت على حدّ زعم يوسيفوس تخرج من بين تراب الأرض. غير إن موسى تمكن من الاهتداء إلى طريقة بارعة للتغلب على هذه العقبة ! 
أصدر موسى تعليماته بصناعة سلال وأدخل فيها الطيور المسماة في مصر أفيس (أبو منجل), وأطلق طيور أبو منجل على وجه الصحراء, حيث استطاعت صيد الحيات الطائرة وأخلت الطريق لجيش مصر بقيادة موسى.
حين وصل الجيش المصري إلى "شبا" عاصمة أثيوبيا, واجهت موسى مشكلة أخرى: كانت العاصمة محاطة بسور وتقع على جزيرة في وسط مياه النيل. كان المصريون مضطرون للانسحاب, لولا خيانة وقعت من الجانب الاثيوبي! 
ابنة ملك اثيوبيا "تربيس" شاهدت موسى من أعلى السور, ووقعت في غرامه وأحبته حبًا شديدًا. فأرسلت إليه أحد خدمها مقترحة عليه اقتراحًا : أن تُسلّم المدينة لموسى على شرط أن يتزوج الأميرة الاثيوبية! 
فوافق موسى على الفور وبارك الاقتراح ونُفذ مُراد الأميرة فسُلمت المدينة دون إراقة قطرة دم واحدة, وعاد موسى إلى مصر مع زوجته الاثيوبية.
يرى باحثا "العهد القديم" يا ئير زاقوفيتش, وأفيجدور شنآن, أن هذه القصص قد تكون مفيدة وتتضمن جزءًا من الحقيقة حين الحديث عن مغامرات موسى وهو في بيت فرعون, لكن كتّبة التوراة أخفوها لأنها تظهر جانبًا من تعاون موسى مع المصريين!!
.......
يعد يهود الفلاشا نموذجًا حيًا يثبت بما لا يدع مجالا للشك خرافة الدعوى العنصرية اليهودية, فمن الناحية الجسمانية هم أفارقة لا يمتون بصلة للجنس اليهودي بأي شبه, ويشبهون غيرهم من الأحباش المسيحيين والمسلمين, بل إن معظمهم أشدّ سوادًا من لون البشرة لدى الحبشي المتوسط. وهم لا يعرفون اللغة العبرية, ولا يؤمنون لا بالمشنا ولا بالتلمود, ولكنهم يؤمنون بالكتاب المقدس, أي برسالة موسى ومن بعده الأنبياء, ويقيمون السبت يحترمون قداستة, ويحتفلون بأغلب الأعياد ويحافظون على الشرائع الخاصة بالختان, وإن كانت هذه ضغفت في العصر الحديث, كما يحافظون على تشريعات الزواج اليهودي والجنازة والدفن في كثير من تفاصيلهما. ولهم معابدهم الخاصة التي يقوم على الخدمة فيها كاهن يسمى "نازير" وهى لفظة عبرية تعني (المنقطع للطقوس الدينية)- ووظيفته عندهم تماثل وظيفة الحاخام. ويشترط أن يكون متزوجًا. وتسمي طائفة منهم مكان الصلاة (مسجد)! وكما ذكرنا فهذه الطائفة يسجدون في صلاتهم كسجود المسلمين. ومن رجال الدين عندهم من يسمونه (كوهين) وهى كلمة عبرية معناها الكاهن ولكنها تعني عندهم الجزَّار الذي يقوم بالذبح على الطريقة الشرعية في اليهودية, وله مساعد يسمونه باسم محرَّف عن اليونانية هو (ديشيرا).
أما عن أصول الفلاشا فلعلّهم بعض الذين تهوّدوا من اليمن في أيام الملك (يوسف ذي نواس), أو لعلهم أحباش اعتنقوا اليهوديية على يد بعض هلاء المتهودين من اليمن, أو على يد بعض المغامرين الذين كانوا يقومون بالتجارة في بحر العرب وخليج عدن, بل من المحتمل أيضًا أن يكون الذي هوّدهم داعية من بين اليهود المصريين تمامًا كما حدث في تنصير المسيحيين من الأحباش على يد القديس المصري؛ الانبا مقار الكبير (حوالي 300 - 390م ). كل ذلك لا يزال حتى الآن يبحث عن وثائق للوصول إلى نتائج يقينية. 
وعلى أية حال فالفلاشا طائفة يهودية شديدة الغموض, لا نجد عنها وثائق مدونة في أي عصر كان, لذلك لا يجتمع على أصولهم باحثان. 
أما تسمية الفلاشا/الفراشمورا/الفلاشمورا, فهناك اجتهادات عدة لمحاولة الوصول إلى رأي صائب فيها؛ قيل إن التسمية من الاسم (فرس موكريه : פרס/פרש מוקרה) التي تعني (حصان الكرّ), وبالعبرية (سوس هعورف : סוס העורף), وربما جاءت التسمية من امتهانهم مهنة تربية الخيول. وهناك احتمال آخر وهو اشتقاق الاسم من (فلاشا مارانوس), التي اختصرت إلى (فلاشمورا) اي (الفلاشا المتحولون), في إشارة إلى أن كلمة (مارانوس) تعني المتحولون, اطلقت على الفلاشا لأن جزءًا منهم تحولوا إلى النصرانية من اليهودية! وهى تسمية معكوسة الدلالة!
وهناك احتمال آخر وهو أن تسمية (فلاشا) جاءت من فراش (פרש) وتهني المنعزل والمتبتل, وقد تشير إلى طبيعة اليهود وهى الانعزال وممارسة حياتهم في جماعتهم دون الاختلاط بالآخرين.
والاسم الأقدم لهم هو "بيت إسرائيل" أي (طائفة إسرائيل).
وقد سعت إسرائيل في ثمانينات القرن الماضي إلى تهجير أعداد كبيرة منهم إلى هناك حيث كانت تهدف من ذلك إلى عمل توازن ديموغرافي مع الفلسطينيين الذين يتزايدون بمعدلات مقلقة للكيان الصهيوني.
وتشير معلومات غير مؤكدة إلى تعاون الرئيس السوداني السابق - جعفر نميري - في عمليات نقلهم جوًا من لإثيوبيا إلى إسرائيل عبر مطار قريب نسبيًا ربما (العزازه), لقربه من الحدود الإثيوبية!
ويعيش الفلاشا في إسرائيل في درجة متدنية جدًا من الاهتمام ويعاملون كعبيد بغلاف ديمقراطي مهتريء تظهر حقيقته في وقت الازمات!
يصل تعداد يهود اثيوبيا الفلاشا في إسرائيل الى 130 الف نسمة, وهو إحصاء غير مؤكد. ويعانون صورًا من الاضطهاد لم تكن في الحسبان, لدرجة أن كثيرين منهم يفكرون بالعودة إلى إثيوبيا أو السفر إلى مصر والعيش فيها إذا وافقت السلطات على ذلك!!
استمرار حالة الاحتقان في الشارع الإسرائيلي بسبب سوء معاملة يهود إثيوبيا / الفلاشا / الفلاشمورا !!
د. سامي الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق